خالد بن حمد المالك
لا جديد نحكيه عن قطر، فيما شيوخها لا يصغون له، ولا يعيرونه اهتماماً، ويكفيهم ما يصل لهم من إيران وتركيا والإخوان المسلمين وحماس وحزب الله وغيرهم وربما إسرائيل، هذا هو حال قطر، ضائعة، وكأنها تعاني من عمى العيون، وكأنّ مسؤوليها صم بكم، فيما نحن أكثر حرصاً منهم على دولة قطر، أكثر خوفاً من أن تكون ضحية لأعدائها وأعدائنا.
* *
جربنا معهم كل أسلوب، كتبنا بهدوء، صارحناهم بمنطق وموضوعية، كنا واضحين وصريحين معهم، لم نجامل حتى لا نقرّهم في أفعالهم، أغضبناهم لكي نصلح حالهم، ما من موضوع فكرنا في كتابته إلا وكانت المصلحة العليا هي لقطر كما هي لباقي الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر، وتلك التي تنتظر، هذا هو الموقف من قطر وأهلنا الذين نحبهم.
* *
لم نفقد الأمل بعد، ما زلنا ننتظر وعي شيوخها، نفكر بأننا أمام غد أفضل رضوا شيوخ قطر أم كابروا وتكبروا، فما تفعله الدوحة لا يمكن السكوت عليه، ولا يقبل أن يكون التعامل معه بأقل من تجريمه، ومواجهته بالقوة التي يستحقها، ربما أن قطر إلى اليوم غارقة في أوهامها، وفي الاعتماد على دعم من لا يدعم إلا بالكلام الرخيص.
* *
تعالي يا قطر إلى كلمة سواء، نصحح وضعك، نزيل من الجسم القطري الذي يئن كل ما لوّثه به الأعداء، نغسل ما لحق به من مضاعفات أثرت عليه، وجعلته مريضاً يشكو من شيوخه وشيخوخته، ومن المتآمرين على قتله، وليس هناك بعد الله من يعافيه، ويعيد الحياة الطبيعية له إلا المملكة ودول مجلس التعاون ومصر.
* *
وستظل عيوننا صوب هذه الدولة الصغيرة، التي تؤذي نفسها على أيدي شيوخها، وتعرض مستقبلها للخطر بفعل فاعل ربما لا يكون ظاهراً على السطح، لكنه مؤثر إلى الحد الذي جعل الدوحة تائهة لا تعرف طريقها، وكأنه يراد لها أن تكون دولة من الماضي، بلا إرادة، ومسلوبة الصلاحيات، دولة فاشلة، ومهيأة لتكون قنبلة موقوتة للإضرار بنفسها وبأشقائها الجيران.
* *
ويل لقطر مما يدبر لها في ليل، مؤامرات خطيرة تقدم لمسؤوليها بإخراج جميل، يغري من ليس لديه الخبرة والحكمة وحسن التصرف، فيتجاوب، ويرحب، ويقبل، بل ويشكر، كما يفعل شيوخ الشقيقة الصغرى وهكذا تكون قطر أو لا تكون، وفق هذه السياسة البليدة التي ينتهجها شيوخها، رغم كل النصائح التي يسديها المخلصون المحبون لهم.
* *
أتساءل: أهكذا تُدار الدول، هل من دولة سلمت نفسها لغيرها كما تفعل قطر، هل هناك دولة يسمح الرجل الأول فيها بالتآمر على غيره من القادة، فكيف إذا كان تآمراً على شقيق وجار كما تفعل قطر، دلوني على دولة كبيرة أو صغيرة حاولت غير قطر بالتآمر على قلب نظم الحكم في الدول الشقيقة المجاورة، بل ومحاولات تآمرية أخرى لتقسيم الدول الشقيقة المجاورة إلا أن تكون قطر لا غيرها.
* *
نكتب عن قطر بمرارة، بألم، مع أنه يسؤونا ما يسوء قطر، رغم كل هذا التعامل الخبيث من الدوحة مع الرياض وغير الرياض، ومع هذا هناك من يعتقد أن المصالحة تتحقق بكلمة من الملك سلمان، دون أن يتذكر هذا البعض بالمؤامرات الخطيرة التي كانت سياسة قطرية ضد المملكة، وأن ضمان عدم تكرارها لا يتحقق فعلاً إلا بكلمة من الملك سلمان، وعلى قطر أن تستجيب لها باتفاق مكتوب، وتوافق على الشروط التي قدمت لها، وبضمانات لا تتنصل منها مستقبلاً.
* *
ماذا تريد قطر أكثر من ذلك، فقط على أميرها أن يوقّع على وثيقة يلتزم فيها بعدم تكرار ما تم توثيقه من مؤامرات، وأن يكفّ شره وعدوانه عن أشقائه، وأن لا يمد يده إلى الأيدي الملطخة بدماء الأبرياء، وأن يتبرأ نهائياً من الدول والمنظمات والأفراد الذين أغرقوا قطر بهذه المؤامرات والإرهاب، وأن يوقف بذاءات ومؤامرات جوقة قناة الجزيرة ضد الدول الشقيقة.
* *
هل هذا كثير، حين تطالب به الدول المتضررة، أليس من حقها أن تؤمّن سلامة دولها وشعوبها، فلا يصل إليها عدوانٌ من قطر، وهي - أعني قطر - التي تتمتع بالأمان والاستقرار لأن الدول المجاورة بمثابة سياج أمني لها، وحصار ليس لتجويع قطر كما يدعي بعض مسؤوليها، وإنما حصار لحماية قطر والدول الشقيقة من الجرائم والمؤامرات التي لا تنتهي.
* *
تريدون يا إخواننا في قطر أن نصارحكم أكثر، هل لديكم ما تقدمونه من حقائق ومعلومات ووثائق عن أيّ مساس قامت به أي من الدول الشقيقة ضد مصلحة قطر، أطلعونا عليها إن كان لديكم ما يماثل ما قدمته المملكة والبحرين والإمارات عن قطر من إرهاب ومؤامرات يشيب لها الرأس، حتى لا تكونوا في موقف الدفاع والتبرير غير المقنع حتى لأهلنا في قطر.
* *
أعرف وتعرفون أن سلامة قطر من سلامة المملكة وبقية الدول الشقيقة، وأننا لا نسمح لأنفسنا بالمساس بأمنها واستقرارها، وأنه ليس من سلوكنا أن نفعل ما يسيء إلى قطر أو غير قطر، وبالتالي فلن تجد قطر بين أوراقها وملفاتها ما يسند موقفاً واحداً لصالحها ضد الدول التي قطعت علاقاتها معها.
* *
إذاً ماذا لو خرج الشيخ تميم أو والده عن صمتهما، وتحدثا عما يكفّر عن الجرائم القطرية التي مست الدول الشقيقة، والقيادات فيها، بالاعتذار عما بدر منهما ومن غيرهما من المسؤولين القطريين، والتأكيد على أنهما مستعدان لفتح صفحة جديدة، تعتمد على توقيع وثيقة بالشروط التي قدمتها المملكة والشقيقات الأخرى، وبالضمانات التي يطلبونها، لو فعلت الدوحة ذلك، لزال الخوف وانتهت الهواجس، وعاد السلام والأمن إلى دولنا.
* *
لكن الاستجابة لهذا المقترح لا يقدم عليها إلا فحول الرجال، والقادة التاريخيون، والقامات الكبيرة، وأولئك الذين يضعون مصالح شعوبهم فوق أيّ اعتبار، فهل حمد بن خليفة وتميم بن حمد وحمد بن جاسم من هؤلاء، أتمنى أن يكونوا كذلك، فنحن نبحث عن معبر لقطر لتكون منضوية إلى العالم المحب للسلام، الشريك في صنع الاستقرار لدولنا، غير قطر الحالية العابثة بأمننا واستقرارنا، غير قطر الرافضة لمطالب الدول الأربع التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها.
* *
إن أي سياسة تلتزم بها دولة قطر ولا تلبي مطالب الأشقاء بشروطهم التي قدمت لها، وأمهلتها عشرة أيام لإعلان موقفها منها لن تفضي إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية معها، بل ولن تختصر مشوار الدوحة المذل في طرقها لأبواب الدول الأخرى طلباً لعونها وفزعتها، فالقرار لوضع حد لأزمتها مع شقيقتها بيدها لا بيد غيرها، وعليها أن تسلّم بهذا الأمر، وتتعوّد عليه، وتعتبره خلاصها من محنها الكثيرة.
* *
وأكبر خطأ سوف ترتكبه دولة قطر، فيما لو اعتقدت أن إيران أو تركيا أو غيرهما هم الضمانة لهروب الدوحة من الاتهامات الخطيرة التي تلاحقها، أو جال بخاطر شيوخها أن مثل هذه العلاقة مع إيران وتركيا، بل وحتى مع إسرائيل سوف تحميها من المساءلة عن أي عمل إرهابي مس دول مجلس التعاون، أو سوف يمسها في المستقبل ويكون مصدر تخطيطه وتنفيذه دولة قطر.
* *
المختصر المفيد في العلاقات القطرية المستقبلية المتوازنة المطلوبة مع جيرانها، أن تكون القيادة القطرية على قدر المسؤولية، وأن تنأى بنفسها عن المغامرات المكلّفة كثيراً لدولة قطر، فالتدخل في شؤون الدول الداخلية، وما يصاحب ذلك من تحريض وإرهاب، هي خطوط حمراء على قطر أن تفكر جيداً قبل تجاوزها، فقد يكلّفها ذلك ثمناً باهظاً أكثر مما كلّفه قطع العلاقات الدبلوماسية معها، ولا أظن أن الدوحة قادرة على الصمود وتحمّل المزيد من الضربات السياسية والاقتصادية الموجعة، حتى وإن أوحى أعداؤها لها بذلك.
* *
هذه ليست همومنا فقط، إنها هموم الأشقاء الشرفاء في قطر، هموم كل من يخاف على قطر، وينكر جّرها إلى هذا المستنقع الخطير، وهي هموم مشروعة ويجب على شيوخ قطر أن يضعوها في أذهانهم وحسبانهم قبل أن تصل علاقاتها مع أشقائها إلى طريق مسدود، وتتطور سلباً إلى أكثر مما هي عليه الآن، هذه رسالتي لدولة قطر، قيادة وحكومة وشعباً، لعلها تجد أذناً صاغية، وقلباً مفتوحاً، فإني خائف عليها، مشفق على حالها، أتمنى أن أراها بغير هذه الصورة المؤلمة، أتمنى أن توافق على مطالب شقيقاتها، فلا مخرج لها من هذه الأزمة الطاحنة الا بالموافقة على ما طُلب منها.