ياسر صالح البهيجان
يشكّل اتجاه الحكومة التركيّة لإنشاء قاعدة عسكرية في الدوحة تهديدًا لمصالح الأتراك في المنطقة، وإقدامها على هذه الخطوة قد يُدخلها في نفق زعزعة علاقاتها الدولية مع دول ظلت لعقود صديقة لها، لذا فإنه من المرجّح أن تراجع أنقرة عاجلاً قرارها المتسرّع الذي سيُنتج لها قبل غيرها أزمات متعددة، وتحديدًا أن قررت الدول العربيّة والإسلامية الفاعلة اتخاذ قرارات صارمة ضدّ وجودها غير المبرر داخل الأراضي الخليجيّة.
لا شك في أن تركيا تبحث عن دور فاعل في المنطقة، لكنها رغم ذلك تظل دولة علمانية برغماتية، ولا يمكن أن تجعل مصالحها مع الدول التي أعلنت مقاطعة قطر على المحك، لذا فإن اتجاه الحكومة التركيّة لإنشاء القاعدة العسكريّة يُعد قرارًا غير مدروس، ويمثل حالة انتهازية لظرف سياسي راهن تريد منه أنقرة التواجد المؤثر مستقبلاً وليس في هذه الأزمة تحديدًا، بل ترغب في أن تتحول إلى جزء من الحل في أي خلاف خليجي، ما يمنحها أهمية إستراتيجية في هذه البقعة من العالم، فضلاً عن سعيها لامتلاك أوراق ضغط على الحكومات الخليجيّة لتنفيذ أجندتها والوقوف في صفها في عديد من القضايا الإقليمية.
طبيعة تكوين البيت الخليجي ترفض تمامًا وجود قوّة إقليمية مثل تركيا في أي أرض من أراضي الدول التابعة له، ولا يمكن قبول مشاركة أنقرة في تحديد قرارات خليجيّة بحتة، لأن للأتراك مصالحهم وحساباتهم البعيدة عن مصالح دول الخليج المباشرة، ووجودها سيخلق أزمات جديدة من شأنها تعقيد حل أي أزمة بدلاً من الدفع الفعلي نحو تجاوز الإشكالات، ولا ينبغي أن تتخطى الحكومة التركية دور الوساطة، أمّا وجود قوّة عسكريّة فذلك يُعد تعديًا سافرًا على سيادة الخليج وتهديدًا لأمنه.
كما أنه ليس هناك مبرر حقيقي لحشد قوة عسكرية تركية سواء في الدوحة أو غيرها من دول الخليج؛ لأنه ليس ثمة بوادر أو تهديدات للجنوح نحو الخيار العسكري في حل الأزمات الخليجية، التي غالبًا ما يجري حلّها عبر تفاهمات من داخل المجلس، وإن لم يجنح الأتراك إلى المطالب الخليجيّة والعربية بالتخلي عن الرغبة المستهجنة في امتلاك قاعدة عسكرية في أرض خليجيّة، فإن الخليجيين والعرب لديهم وسائلهم الكافية لمجابهة هذا التمدد التركي والتدخل في الشأن الخليجي، ومنها تأييد الاستقلال الكردي، والاتجاه لدعم المعارضة التركية المتزنة، وفرض مقاطعة تجارية على أنقرة، وغيرها من الخيارات التي ستمثل ضربة موجعة للأتراك.