علي الصراف
لا أعرف ديمقراطية أرقى من هذه، ليس لأنها تستفتي الأمراء والمؤسسات وكبار المسؤولين وأركان النخبة وأهل العقد والحل وشيوخ القبائل والعشائر وعامة المواطنين فحسب، بل لأنها تنطوي، فوق كل ذلك، على بُعد روحي وشرعي، ما يجعلها عملاً إيمانيًا من جهة، وآخر ينطوي على مسؤوليات كبرى (كغيرها من مسؤوليات الديمقراطية) من جهة أخرى.
لا شيء من صفات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع (حفظه الله ورعاه)، إلا وتسلطت عليه الأضواء، حتى لكأنه تحت ضوء كاشف لم يسبق أن كشف كل تلك التفاصيل.
ولئن ذهبت الإشادات إلى شبابه، في رمزية مثالية لشبابية الغالبية العظمى من أهل مملكة الخير هذه، وإلى برنامجه الإصلاحي الاقتصادي المذهل، وإلى نجاحه غير المسبوق في إدارة المسؤوليات الكبرى التي أنيطت به، وإلى مواقفه الصارمة التي يستمدها من منهج الحزم والعزم لخادم الحرمين الشريفين، وإلى تمسكه الرفيع بالقيم والتقاليد والأعراف الدينية والاجتماعية، وإلى حنكته السياسية والدبلوماسية التي أسرت له أفئدة كل من قابلهم من كبار قادة العالم، وإلى صفات جمة جمعت بين الحرص والإصغاء والعطف والأخذ بوسائل الخير، فثمة الكثير ممن ذهلوا بتواضعه الجم أيضًا، في أربع جهات الأرض، وهم يرون ملكًا للمستقبل، ينحني ويقبل أيادي أعمامه وأبناء أعمامه الأكبر منه، وكلهم في منزلة ملوك، وكلهم برفعة ورقي ملوك، وكلهم بأخلاق وإيمان ملوك، وكلهم في قلوب شعبهم ملوك.
ثم ظل يؤثر ألاّ يُقبل يديه أو ينحني له أحد ممن هم أكبر منه سنًا، ولو ظلت تفاجئه اندفاعات المحبة التي تغمر مشاعر الذين يقتربون منه.
هذا التواضع الجم، ذو الأصل الأخلاقي الفريد، قد لا يكون سائدًا في تلك الجهات الأربع من الأرض، إلا أنه أخشع له القلوب على مدار الأرض كلها، ليقول للناس أجمعين: هذا ملك، ابن ملك، وحفيد ملك، إلا أنه إلى الأرض ينحني بمحبة وإخلاص وخشوع يستمده من خشوع قلبه حيال المسؤولية الكبرى المناطة به.
لم يتمكن مئات الملايين، ولاسيما من أبناء الأمة الإسلامية الكبرى، من أن يساهموا في عملية البيعة، ولكنهم بايعوه بالقلوب، وخشعوا لأخلاقه بالقلوب، ووضعوا فيه الثقة والأمل الذي وضعه فيه السعوديون.
لن يمكن للمؤسسات الرسمية ولا الشرعية في المملكة أن تحصي «بيعة القلوب» التي منحها مئات الملايين لسمو ولي العهد الأمير محمد، ولكن، فلئن جنت المملكة مكانة ونفوذًا وثقلاً في أرجاء العالم، فهذه البيعة واحدة من أوجهها. وهي ستظل تمنحه الثقة، وتضع فيه الأمل لعقود وعقود، كما لا يمكن لأي ديمقراطية أن تفعل.
والذين بايعوا بقلوبهم، بايعوا منزلة ونفوذًا ووزنًا، إلا أنهم بايعوا رجلاً أيضًا، خشع بمحبته وإخلاصه وإيمانه، فخشعت له القلوب، وشُغفت به النفوس.
ويا للدهشة من هول بيعة ملأت الأرض غبطةً، برفيع ما رأى الناس وما عرفوه.
ساعتها، قالت مئات الملايين من القلوب، ببساطة الأشياء واللغة: ربنا يحميك، ويبارك بالثقة والأمل فيك.