د.سالم الكتبي
تحاول قطر التشكيك في الإجراءات التي اتخذت بحقها من جانب نحو 10 دول بشتى الطرق، وتسعى إلى خلط الأوراق عبر حيل وآليات كثيرة، ولكنها لا تقترب مطلقاً من مربع مصارحة الذات والاعتراف بالأخطاء، فالمناورة ثم المناورة ثم المناورة، والكذب البواح هو أساس كل هذه المناورات!
تقول قطر: إنها من أقل الدول الخليجية في حجم التبادل التجاري والمصالح مع إيران، فكيف تتهم بأنها تقيم علاقات مضادة لمصالح الدول الخليجية والعربية، وهذا كلام صحيح في ظاهره، ولكنه لا يعني في تحليله ما تزعمه قطر، فهي من أقل الدول الخليجية تبادلاً تجارياً مع إيران قبل أزمة المقاطعة، ولكن هذا لا ينفي عنها بالضرورة التحالف مع طهران ضد مصالح دول مجلس التعاون، فهناك أدلة موثقة على ذلك!
ينبغي الإشارة أولاً إلى أن التبادل التجاري بين الدول لا يعني تطابق وجهات النظر والمصالح الإستراتيجية بين الدول، فالتبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة قد ارتفع من 2.5 مليار دولار عام 1979 إلى قرابة 520 مليار دولار في عام 2016، بينما تجاوز الاستثمار المتبادل 170 مليارًا بنهاية 2016، رغم ما بين البلدين من تنافس استراتيجي وخلافات تهدد بالصدام والصراع بين الفينة والأخرى، وهذا هو حال العلاقات الإماراتية مع إيران، فهناك تجارة ضخمة ومصالح اقتصادية كبرى، ولكن هناك خلافات إستراتيجية عميقة، بسبب احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) ودور إيران الإقليمي التوسعي المضاد لأمن واستقرار دول مجلس التعاون.
أما قطر فلديها علاقات تعاون أمنية عميقة مع إيران، وسبق لها توقيع اتفاق أمني عسكري مع إيران عام 2015، يتضمن إجراء تدريبات مشتركة، ورحبت من قبل بمقترح إيران لإنشاء منظومة دفاعية أمنية إقليمية، ولا ترى في إيران مصدر تهديد، بل إن وزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قد أكد أن مصدر التهديد الرئيس لقطر يتمثل في دول مجلس التعاون، وتؤمن قيادة قطر، كما قال ابن جبر في حوار مؤخراً، إن «التآمر» هو طبيعة المنطقة، وأن السياسة القطرية تعمل وفقاً لذلك!
وفي الأزمة الأخيرة، لم يكن الصدام ثنائياً بين دولة الإمارات وقطر، بل كان بعد أن «فاض الكيل من ازدواجية قطر» كما قال مسؤول إماراتي، بل جاء في إطار تنسيق جماعي حازم، فلم يعد الصبر مجدياً في التعامل مع الضرر الاستراتيجي القطري الواقع على الأمن القومي العربي، لاسيما فيما يتعلق بالإرهاب، وربما كان للتوافق الدولي، أثناء قمة الرياض، دور ما في اتخاذ موقف خليجي وعربي حاسم حيال قطر، فالشواهد والأدلة على تورط قطر في تمويل الإرهاب كانت موجودة ومؤكدة، ولكن القرار قد حصل على دعم غير مباشر من قمة الرياض، التي توافقت على هدفين مهمين، هما التصدي للخطر الإيراني، ووقف تمويل الإرهاب، والهدفان لهما علاقة مباشرة بدور قطر وسياساتها، وتلعب فيهما دوراً كبيراً، وهذا ما يفسر الحزم في التعامل مع الملف القطري للتخلص نهائياً من ممارسات مضادة للأمن القومي العربي استمرت نحو عقدين من الزمن، لأن تكلفة استمرار هذا الدور قد تفضي إلى مزيد من الدمار والتخريب والفوضى.
وفي ضوء ما سبق، من الصعب توقع انتهاء الأزمة الراهنة وفق سيناريوهات «التجميد» أو التأجيل أو ترحيل الخلافات كما كان يحدث سابقاً، فالإمارات ترى أنه قد حانت لحظة المكاشفة والصراحة التامة، وليس هناك مخرج أمام النظام القطري سوى التفاوض مع أصحاب الشأن في هذه الأزمة، سواء عبر وسيط دولي، أو بشكل مباشر عبر النطاق الخليجي، ولكن في مجمل الأحوال، لن تسمح دول «المقاطعة» بمضي قطر في سياساتها الراهنة، فخليج ما بعد الخامس من يونيو 2017 غير ما قبله، وقرارات مقاطعة قطر، نقطة فاصلة ومنعطف نوعي، لن ينتهي عبر المماطلة والتسويف والاستقواء بالحلفاء، لذا فإن انتهاء الأزمة بشكل حقيقي يبدو رهن اعتراف قطر بأسباب الأزمة واستجابتها لمطالب دور الجوار.
** **
- الإمارات العربية المتحدة