اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
تعتبر السياسة والإعلام من عناصر القوة الوطنية للدولة التي تقوم عليها مع وجود تلازم بين العنصرين بحيث يدعم أحدهما الآخر، ورغم ما يقال عن برقماتية السياسة فإنها تستمد قيمتها الحقيقة من استنادها إلى الحقيقة ومواصلة العمل حتى النهاية بالشكل الذي يحافظ على استيعاب حقيقة العمل السياسي وفهم معناه، في حين يسلط الإعلام الضوء على السياسة مساعداً إياها على أداء مهمتها، ومعالجاً قضايا الأمة بما يتفق مع قيمها ويخدم انتماءها الديني والوطني ومصالحها العليا.
ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية والنشاط السياسي والإعلامي على أشده بين طرفيها، إذا يحاول كل طرف إثبات حجته بما يضمن قبول الداخل وكسب تأييد الخارج، وذلك من خلال الطرح الإعلامي الذي يأمل القائمون عليه بلوغ ما ترمي إليه السياسة من فن تحقيق الممكن على النحو الذي يتمكن معه أحد الأطراف من قيادة السياسة دون أن يدعها تقوده.
ورغم أن المملكة تأخرت في اتخاذ قرارها، معتقدةً بأن الصبر والوقت كفيلان بعودة النظام القطري إلى رشده والخروج من دائرة المؤامرة التي يعمل أصحابها على رسم خرائط جديدة للمنطقة إلا أن هذا النظام استمر في تنفيذ المخطط المرسوم له، خدمة لمشروع أمريكي يشرف عليه أولئك الذين ينادون بشرق أوسط جديد، مطلقين يد إيران في المنطقة العربية للعبث بأمنها وتدميرها في سبيل تحقيق هذه الغاية.
والمملكة منذ تأسيسها تنتهج سياسة متوازنة ذات نفس طويل، تنحو إلى المنحى المتوازن الذي يستخدم السياسة من منظور قيادي، حيث إن هذا المنظور يطوع الغائية السياسية للمبدئية القيادية الأمر الذي يصطدم فيه المبدأ بالمصلحة أحياناً باعتبار السياسة غايتها في الغالب تبرر وسيلتها، واستطاعت المملكة طيلة مسيرتها السياسية الطويلة أن تشق لها طريقاً في هذا الاتجاه رغم تعاملها في هذا الزمن مع ملفات كثيرة بعضها تقادم عليه الوقت وأصبح قضية مزمنة وبعضها الآخر صنعته الأحداث التي تعصف بالمنطقة منذ ما يقارب عقدين، وهي أحداث تتمحور حول الإرهاب، هذه الآفة التي يحاربها صانعها ويتنصل منها زارعها، كما يشترك في رعايتها أطراف كثيرة تتكالب على المنطقة العربية، متخذة من مكافحة الإرهاب مظلة لرعايته وذريعة لتحقيق أهداف استعمارية ومطامع جيوسياسية على حساب العرق العربي والمذهب السني، وتحديداً السلفية التي أنقض عليها أعداء الدين من كل مكان وتآمر ضدها تنظيمات محسوبة على أهل السنة، وأصبحت المملكة على رأس قائمة الأهداف المستهدفة، وها هي الممارسة التي يمارسها النظام الحاكم في قطر تضع المنطقة الخليجية قاب قوسين أو أدنى من الفخ الذي نصبه الأعداء للإيقاع بالمنطقة وجرها إلى مآلات خطيرة.
وقد طرقت المملكة كل الطرق واستنفدت جميع الوسائل مع قطر قبل قطع العلاقة معها ومقاطعتها، محتمة عليها الضرورة اتخاذ قرارها الذي يشهد على صبرها وبعد أفق سياستها حيث تجلى ذلك في الأسس التي بُني عليها القرار والصيغة التي كُتب بها والحيثيات التي تضمنها نظراً لما يستند إليه من أسس صحيحة وأسباب مقنعة ومعطيات مبررة، تستمد مبرراتها من حقوق سيادية واعتبارات وطينة وحقائق قانونية، يغلب عليها طابع العقلانية بعيداً عن العاطفة وردود الأفعال الغاضبة.
وبما أن السياسة لا تؤمن بالمصادفات فإن الاستفادة من المتغيرات التي لها تأثير على الموقف الذي يُتخذ فيه قرار على هذا المستوى أمر يستحق الاهتمام، إذ يساعد ذلك على توفير الظروف المناسبة لتذليل الصعوبات وتحييد السلبيات، ومن هنا تزامن اتخاذ قرار قطع العلاقة مع قطر ومقاطعتها مع تغيُّر الإدارة الأمريكية وتحوُّل سياستها من حال إلى آخر، مما جعل الظروف مواتية لمثل هذا القرار، خاصة وأنه من الصعب الإقدام عليه في ظل الإدارات الأمريكية التي كانت تستخدم النظام القطري أداة من أدوات إثارة القلاقل في المنطقة تمهيداً لإعادة تقسيمها ورسم خريطتها.
ومع أن المكاسب التي ينتجها العمل الدؤوب والصبر والوقت وذات تكلفة مرتفعة، قد ينظر إليها الآخرون نظرة مختلفة إلا أن كثرة الأعداء الذين يتربصون بالمملكة وما يُمارس عليها من ضغوط خارجية لم يثنها ذلك عن مواصلة طريقها مهما كلفها هذا الطريق من تكاليف، وفرض عليها من تضحيات، دفاعاً عن عقيدتها وأمتها الأمر الذي ينظر إليه بأنه كسب سياسي سبق الأزمة وامتد ظله إليها، خاصة وأن هذه السياسة ذات نهج قيادي وداخل إطار الدين والقيم.