إبراهيم عبدالله العمار
الكثير له نظرة حالمة عاطفية عندما يتذكر الماضي. صح إن لدينا تقنية ونعماً كثيرة لكن هناك مشاكل جلبتها التقنية والأزمان المعاصرة، وهذا شائع حتى في الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا التي يقدس فيها الناس التقنية والتطور، فإن الكثير يحنّون لأيام الماضي بعد أن آذتهم آفات الحضارة، ولا بأس بذلك، فالتطور الحالي أتى بأشياء سيئة مثل الحياة السريعة القلقة، وسائل المواصلات التي حرمت الناس الحركة، الأكل الضار، وغيرها، فينظر المرء للماضي الخالي من هذه المساوئ ويقول: «ما أحسن أيام زمان!» أو بالإنجليزي «Those were the good old days»، لكن من الخطأ التعامي عن مساوئ تلك الأيام ورمقها بنظرة وردية تجعلها أزماناً من البساطة والبراءة والراحة، وفقد وضع الأمريكي أوتو بيتمان كتاباً عنوانه «ما أسوأ أيام زمان!»، يحطم فيه النظرة العاطفية المبالغ فيها للماضي ويذكّرنا أنّ له مساوئ لا نفكر فيها، وخذ هذه النماذج والتي ركزت خاصة على نيويورك:
- التلوث: التقنية ليست شيئاً جديداً بل ظهرت الثورة الصناعية قبل مئات السنين. كانت أمريكا تكتظ بالمصانع التي ملأت الجو دخاناً، لكن بينما اليوم ندرك خطورته فإن الأسبقين أحبّوه لأنه رمز الحضارة لهم، وكان من العيب أن يتذمر الشخص من هذا التلوث، فإذا تذمّر الرجل عدّوا هذا نقصاً في رجولته، بل إن غيوم الكربون والكبريت الخانقة تلك رؤيت أنها صحية! والبعض ظن أنها تشفي من أمراض الرئة! أنواع أخرى من التلوث: شوارع مكومة بفضلات الحيوانات (خاصة الخيول قبل السيارات) تجذب الذباب الذي ملأ الأرض، أنابيب الصرف الصحي تسيح في الشوارع. وصف أحد زوار نيويورك المدينة أنها «كارثة أنفية».
- غرائب: بعض المدن امتلأت طرقها بالخنازير (أكرم الله القارئ)، وأكثر من 450 ألف من هذا الكائن عبأت شوارع سنسناتي، ومدن أخرى. تحمّلها الناس لأنها تستهلك النفايات في وقت لم توجد فيه خدمة جمعها والتخلص منها.
- قمامة: اليوم هناك شاحنات البلدية التي تزيل النفايات، لكن آنذاك كانت تملأ الشوارع وتزيد معاناة الناس. الكثير كانوا يرمونها في أي مكان، عربات الخيل تضطر أن تتوقف إذا صادفت كومة كبيرة في طريقها. أحدهم وصف نيويورك بالحظيرة! هل تحب منظر البحر ورائحة النهر؟ يا ويلك! لو وقفتَ أمام أحد المرافئ الأمريكية آنذاك لخنقتك الرائحة وأغمك المنظر، فالنهر غصَّ بالخيول النافقة والعربات المكسورة والآلات المتعطلة.
امتلأت السكك بالنفايات حتى صاروا يرمونها في الماء ويريحون بالهم!
يا زين أيام أول ... أحياناً.