يوسف المحيميد
قرأت مقالاً أجنبياً قبل أشهر، يتحدث عن الاستثمار في ثلاثة أصول مهمة، هي العقارات، والذهب، واللوحات الفنية، وكلها تحتاج إلى ذكاء في التعامل معها، واختيار الوقت المناسب سواء في الاقتناء أو البيع، وربما الاستثمار في العقارات أو الذهب معروفة لدى معظمنا، لكن اللافت هو الاستثمار في اللوحات الفنية التي تتعامل معها البنوك الأجنبية محاسبياً ضمن الأصول في المحافظ الاستثمارية، ورغم أن هذا النوع من الاستثمار يعد محدودًا في بنوك الشرق الأوسط عمومًا، إلا أن بعض البنوك العربية قد بدأت بذلك، خاصة البنوك الإمارتية التي اقتنت عدداً من لوحات كبار الفنانين العالميين، والعرب، من باب التنويع والتطوير في الصناعة المصرفية.
وتثبت التقديرات التي أعلنها بنك الإمارات دبي الوطني بأن سوق اللوحات الفنية في العالم يشهد نمواً مستمرًا، حيث ازدادت المبالغ المدفوعة على اللوحات من عشرة مليارات دولار قبل خمس سنوات، إلى خمسين مليار دولار، بما يعني أن العالم يتعامل مع اللوحة وفق معايير كثيرة، يدخل فيها جودة تنفيذ اللوحة وفكرتها وأسلوبها الفني المتجدد، واسم الفنان، وعمرها، وغيرها من العوامل التي يجب على المقتني أن يدركها، ولعل أهمها تطوير حسه الفني تجاه اللوحة، وسعرها المعقول قياساً بسوق اللوحات الفنية، سواء على المستوى المحلي أو الأجنبي.
قد يعتقد البعض أن هذه السوق هي مخصصة للأثرياء فقط، لكن ذلك ليس صحيحًا، فهي سوق مفتوحة مثل السوق العقاري، فليس بالضرورة شراء قطعة أرض في منطقة تجارية أو سكنية مرغوبة جدًا، ذات سعر فلكي، وإنما يمكن شراء قطعة أرض في الأطراف، لكنها في المستقبل تنمو ببطء، تماماً كشراء اللوحة الفنية، ليس بالضرورة اقتناء لوحات ذات أسعار فلكية ومبالغ فيها، وإنما التركيز على لوحات جميلة ومتقنة، وفيها روح الفنان وجديته تجاه تجربته، لكنه فنان غير معروف على نطاق كبير، ومع الوقت - خاصة إذا كان من فئة الفنانين المخلصين - سيصعد اسمه ونجمه، ولو بعد سنوات طويلة.
وأعتقد أن من أهم الأشياء لنجاح الفنان، ونجاح الشخص المقتني للوحة، ألا يجعلا المادة هي هدفهما، فالفنان الذي يبحث عن المال ستنتهي تجربته مبكرًا، ولن تُباع لوحاته، وسيبقى يطمس اللوحة ويستخدمها عشرات المرات دون فائدة، وكذلك المقتني الذي يفكر في الكسب المادي فقط، دون أن يحمل في داخله شغفاً واهتماماً كبيراً بالفن التشكيلي، سينتهي به المطاف إلى الفشل!