د. جاسر الحربش
هل وزارة الخارجية الأمريكية توسوس في أذن الحكومة القطرية لتعاند في التجاوب مع ما هو مطلوب منها من الالتزام بأمن مجلس التعاون الخليجي وهي جزء منه، وتقليم إعلامها المؤذٍ الموجه لإثارة النعرات، وإبقاء المنطقة خالية من تدخلات عسكرية إضافية وتسليم من تثبت جرائمه في لوائح الإرهاب؟. سبق أن وسوست ممثلة السياسة الأمريكية في بغداد السفيرة قلاسبي عام 90-91م لحكومة العراق فحصلت الكارثة. المقارنة بين حكومة العراق آنذاك وحكومة قطر الحالية قد تبدو غير منصفة، لكن القاسم المشترك يبقى تهديد أمن الجيران وجنون العظمة، ولا أحد يريد أو يتمنى أن يتكرر ذلك السيناريو القبيح في منطقة الخليج.
الكل يلاحظ ازدواجية التصريحات الأمريكية حول أزمة مجلس التعاون الحالية بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وكأن الإدارة الأمريكية تلعب على الحبلين مما قد يوحي بالتشبث بالمواقف للأطراف المعنية بما يجري مباشرة.
الأحزاب التي حكمت العراق صورياً بعد الغزو الأمريكي عام 2003م وضعت كل البيض العراقي (بالمجاز السياسي) في القفص الأمريكي. أمريكا لديها قفص ضخم جداً ولا تكفيها سلة لكل البيض الذي تحصل عليه. بعد 2003م تقاسمت أمريكا البيض العراقي مع إيران، وهذه دست في يد كل عميل عراقي لها بيضة أو اثنتين. لم يبق من الثروات العراقية للمواطن العراقي سوى النزر القليل، وحتى هذا القليل تحول إلى مال مستباح للسياسيين.
التقاء المصالح مع حليف أجنبي هو إلتقاء مؤقت، تمليه الضرورات الإستراتيجية أو الشعور بتهديد خطير للأمن الوطني، ولكن يجب أن يرسخ في العقل الجمعي أنه وضع مؤقت. الإشكال في مسألة التحالفات مع قوى كبرى من خارج المنظومة الحضارية يتلخص في كونه بين طرفين متفاوتين في الأهداف والقوة. القوي يحسبها بمصالحه على المستوى العالمي، والأضعف يحسبها بمصلحته الأمنية. القوي يستطيع أن يختار من الحلفاء من يريد، لكن المجال محدود للأضعف، وعليه أن يتحسب لاعتباره عدواً لو رفض عرض التحالف من طرف أقوى منه بكثير.
الأمثلة على تحالفات الضرورة المؤقتة كثيرة.. روسيا كقوة عظمى يجمعها تحالف/ تنسيق علني مع كل من تركيا وإيران وسوريا، ومن تحت الطاولة مع إسرائيل واليونان والجزائر. أمريكا لها أحلاف/ تنسيق مع إيران والعراق وتركيا وكل دول الخليج العربي علاوة على علاقتها العضوية بإسرائيل. بهذا القياس كيف يبدو الوضع الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي؟. كل هذه الدول لها تحالف أمني وإستراتيجي مع أمريكا، وعلاقات تتفاوت في العمق والأهداف مع تركيا وإيران وروسيا، ولواحدة منها علاقات مع إسرائيل. الشعوب تبقى عادة خارج الإحاطة بكميات البيض التي تتوزع بين سلال التحالفات، وما يهمها أكثر هو أعداد البيض المتبقي في سلتها الوطنية.
تحالفات الدول الأقل قوة (وجميع دول ما يسمى بالشرق الأوسط في هذه الخانة) مع دول عظمى تحولت إلى ضرورات أمنية، لكن يبقى تفليس العراق وإلغاؤه من الخارطة كدولة نموذجاً مرعباً يجب أن لا يتكرر في أي دولة عربية.
ملاحظة أخيرة: الحكومة القطرية تقدم الكثير من البيض لأمريكا وتركيا وإيران وإسرائيل وجميع المنظمات السياسية والمذهبية الهادفة إلى زعزعة الأمن المتبقي في منطقة الشرق الأوسط، وهي بذلك تفتح كل الأبواب للرياح العاتية لتهب على كامل المنطقة.