محمد آل الشيخ
أدق تعريف للسياسة أنها (فن الممكن)، والتعامل مع ماهو كائن، لا ما يجب أن يكون. فالواقعية، وعدم التعالي عليها، والرضوخ لشروطها، هي دائما وأبدا سر نجاح السياسيين الذين تبوءوا صدارة الدول فأحسنوا القيادة، وخلدهم التاريخ.
ويبدو أن الشيخ تميم أمير قطر لا يدرك هذه الحقيقة بما فيه الكفاية، أو أن من هم حوله من المنظرين والمستشارين لا يخلصون له النصيحة، أو أنهم من أولئك (الديماغوجيين) الذي يعتبرون أن العناد والمواقف الصلبة، غير المرنة، هي ما يتميز بها القادة العظماء؛ وهذا المفهوم - بالمناسبة - منتشر بين بني يعرب، خاصة عرب الشمال (الأشاوس)، انتشار النار في الهشيم. وهم تحديدا من قادوا والده إلى أن يُطرد من الأمارة، واضطر إلى التنازل لابنه تميم؛ وفي تقديري أن ذات الأشخاص سيقودون تميم إلى ما قادوا إليه والده، هذا على افتراض أن تميم، وليس حمد، هو من يدير دفة السفينة في قطر، فهناك كثيرون يؤكدون أن تميما ليس إلا (خيال مآتة) لا يهش ولا ينش، ومازالت كل الصلاحيات في يد والده.
القطريون رفضوا كما هو معلن مطالب الدول الأربع الثلاثة عشر، وأمعنوا في التحدي، وأصروا على ما يسمونه (السيادة)، متحملين بذلك، ومحملين شعوبهم، تبعات ستتفاقم، وتكبر، بالشكل الذي لن يستطيعوا تحمله في النهاية بكل تأكيد؛ ولو أن حول صانع القرار، سواء كان تميم أو والده، رجل رشيد، يُخلص له النصيحة، لأشار عليه بعكس نهجه الحالي، فالأوراق التي في يد القطريين لمواجهة الدول الأربع المناوئة لهم، محدودة، والأوراق التي في أيدي مناوئيهم، ويستطيعون تفعيلها متى ما أرادوا متعددة، لذلك من الأفضل وبشكل ملح أن يبحث عن حل لهذه الورطة، لأن الوقت ليس في مصلحة القطريين، ومعروف في (علم التفاوض) أن من يملك الوقت ولا يضره مروره، هو دائما الأقوى.
الأمر الآخر الذي يجب أن يأخذه ساسة قطر، ومن يشيرون إليهم، في الحسبان، أن دعمهم للحركات المتطرفة، وتوفير الملاذ الآمن لقادتها، وكبار أساطينها، أصبحت من الانتشار بشكل لا يمكن إنكاره والمزايدة عليه، فالأسماء التي وردت في قائمة الـ 59 هُم إرهابيون محترفون، وجزء من تلك الأسماء يتفق مع الدول الأربع عليها كثير من الدول في العالم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أن المكابرة والعناد سيكون تأثيره في النهاية مزيد من التفاقم، دون أن يكون له إيجابيات تذكر.
وغني عن القول أن رفض القطريين للمطالب، يعني أن هناك عقوبات أخرى يمكن للدول الأربع اتخاذها، لإرغام قطر على التماهي مع ما هو مطلوب منها، ولن يدفع الثمن - للأسف - إلا الشعب القطري، الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها معزولا، كأنه في صحراء يحفها السراب من كل جانب. عرب الشمال ومعهم الإخونج المتحلقين حول تميم ووالده لن يخسروا شيئا، فكل ما هناك إذا ما فقدت قطر الرهان، أن يشدّوا رحالهم نحو أوروبا، والعيش هناك، أما أهل قطر فهم أول الخاسرين.
ومعروف أن السلطة في قطر سلطة قمعية ديكتاتورية محضة، فلا يستطيع أحد في قطر أن يبدي أي نقد، اللهم إلا نقد الآخرين خارج قطر، لذلك فإنني أظن، وأرجو أن أكون خاطئا، أن أزمة قطر ستطول، وتستنزف الاقتصاد القطري، وكذلك مقدرات الإنسان هناك.
إلى اللقاء