خالد بن حمد المالك
أفتش عن مبرر يجعل قطر بريئة من كل التهم التي توجَّه لها، أبحث لها عن سبب تعتمد عليه للهروب من المسؤولية في كل جرائمها دون أن يلحقها أي ضرر، ويأخذني خوفي عليها وحبي لمواطنيها إلى التطوع بحثًا عن نافذة تدلني على أن هموم القطريين إلى زوال، وأن ما ارتكبته الدوحة من جرائم بحق أشقائها بمنزلة عاصفة سريعة، لا تلبث أن تصحح وتزول باستجابة قطرية لمطالب الدول التي أعلنت عن قطع علاقاتها، ووقف أي تعاون معها، وإقفال حدودها وأجوائها وبحارها أمام النقل والتنقل بين قطر وهذه الدول.
* *
أبحث بعناء عن كل هذا، مع أني على علم بأن شيوخ قطر ليسوا على استعداد للتفريط بآلتهم الإعلامية التي تمارس دورًا قذرًا ضد دولنا، أو التخلي عن العدو المشترك الذي يكيل لقطر بمكيالين، ويظهر لها بوجهين، وأعني به إيران التي تلزم الدوحة وتفرض عليها أن تكون مواقفها منسجمة مع مواقف طهران وليس العكس، مع أن قطر ليس لها من مواقف - كما أظن - تتعارض مع المواقف الإيرانية المتهمة بضرب الوحدة الخليجية، والتآمر عليها، وأعني بذلك أيضًا تنظيم الإخوان المسلمين الذي يصنَّف بوصفه منظمة إرهابية اعتمادًا على أفعاله وأقواله.
* *
نحن إذًا أمام الخوف على قطر والخوف منها.. هي شقيقة صغرى، من حقها علينا أن نحميها، وندافع عنها، ولا نقبل بأن تُمسَّ سيادتها واستقلالها بسوء، وفي المقابل فحقنا عليها أن تتجنب التآمر علينا، أن تبتعد عن أي ممارسة تؤذينا، أن تمنع المقيمين في أراضيها من التخطيط وممارسة العدوان على أراضينا، وأن يكف إعلامها عن استخدام لغة وموضوعات متجنية، الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار بأصوات وأقلام مريضة، تمولها قطر، وتتبناها قطر، وتؤيدها هذه الشقيقة التي لم تجد من دولنا إلا الحنان والخير والخوف عليها.
* *
فهل كان أمام المملكة والإمارات والبحرين ومصر من خيار للتعامل مع قطر بما يحمي أمنها واستقرارها غير ما فعلته من قطع للعلاقات، وإيقاف للتعاون، وإقفال للحدود، تجنبًا لأي احتكاك يؤدي إلى مزيد من الخلافات، وإلى كثير من المؤامرات، بما قد تفهم الدوحة خطأ من دون هذا القرار بأنه استسلام وخوف من المواجهة معها، وفي أحسن الأحوال أن يكون فهمها لهذا الصمت أمام أفعالها الشاذة ناشئًا من تقديرات قطرية لم تكن حساباتها صحيحة؟ لهذا فقد جاءت القرارات بأكثر من توقعاتها؛ فأسقط في أيدي شيوخها؛ فلم يجدوا ما يواجهون به الموقف الجماعي لأربع دول شقيقة إلا الارتماء في أحضان إيران وتركيا، والبكاء والتوسل أمام دول العالم مشتكين من الظلم والمظلومية، مع تصعيد نشاطهم الإعلامي لإيضاح ما هو واضح، ولكن بمكر، وأحيانًا بجهل، وعسف للحقائق.
* *
لقد أعطت المملكة والإمارات والبحرين ومصر فرصة لقطر كي تراجع مواقفها، وتتخلى عن سياساتها العدوانية، وتعلن براءتها من الآن من أي عمل إرهابي في المستقبل، وأن تضبط ما تبثه قناة الجزيرة من إسفاف وبذاءات وتآمر على شعوبنا، وأن تحجّم دور العناصر الإرهابية التي تقيم في قطر، حيث يتم منها التخطيط للمؤامرات ضد دولنا، وكأن المطلوب من دول مجلس التعاون، بحسب المفهوم القطري أن تكون غطاء لها في كل الجرائم التي لحقت بهذه الدول، رغم كل النداءات والوساطات بأن هذه الأعمال خط أحمر، وغير مقبولة، ولا تتفق مع مبدأ حسن الجوار، وعلاقات الأخوَّة التي تجمع قطر بأشقائها دول مجلس التعاون، وأنه لا بديل عن قطع العلاقات إلا بالتزام قطر وموافقتها على المطالب الثلاثة عشر.
* *
سؤالي: ماذا تستفيد قطر وهي عامدة متعمدة، حين تستغني عن علاقاتها بدول المجلس، وتختار إيران بديلاً عنها؟ ما هي مصلحتها في أن تغيِّر جلدها العربي الخليجي إلى الجلد الفارسي، وكأن شيوخها لم يقرؤوا التاريخ، ولا يعرفوا شيئًا عن أطماع إيران، أو أنهم على علم بذلك، لكنهم يتنكرون لأمتهم، ولشرف انتمائهم للعروبة، جهلاً بأن من يحمي استمرارهم قادة وحكامًا لقطر هي طهران لا الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، بما جعل من الدول الأربع في موقف المضطر إلى التشاور والاتفاق على موقف موحد، يحد من انغماس قطر في قرارات لا مصلحة لها ولا لدول مجلس التعاون فيها.
* *
هل هناك من خطأ ارتكبته الدول الأربع، وهي التي أعطت الكثير من الفرص لقطر؛ كي لا تمضي كثيرًا في مؤامراتها، بالنصح، وقبول الوساطات، ومواجهتها بما يدينها من حقائق، على أمل أن ترعوي، وتراجع مواقفها، وتتخلى عن سياسة الاستقواء بالأجنبي، فإذا بها تناور، ولا تلتزم بما تم الاتفاق عليه، وأحيانًا وكثيرًا ترفض الاعتراف بجرائمها، وتصر على مواقفها، بشعور من النقص، وربما بسبب الجهل، وسوء تقدير الأمور، والنظرة القاصرة؛ ما جعل الدول الأربع تأخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وهو إن لم يعطِ مفعوله الآن وسريعًا فإنه سوف يؤثر في المستقبل، بما لا حيلة أمام الدوحة إلا القبول مرغمة في المستقبل بما تطالب به المملكة والإمارات والبحرين ومصر.
* *
وها هي الدول الأربع تعلن استجابتها لطلب أمير الكويت بتمديد المهلة المعطاة لقطر ثماني وأربعين ساعة بعد انتهاء مهلة الأيام العشرة، وهي فرصة أخيرة لقطر، وهي لمسة حانية تُظهر محبة هذه الدول لقطر وشعبها العزيز، وأنها لن تأخذ بقرارات تصعيدية إلا إذا أصرَّت الدوحة على مواقفها بإيذاء أشقائها، فهل لدى قطر الإرادة والقوة ومسؤولية القرار؛ كي توافق على مطالب هذه الدول خلال ساعات التمديد التي أُعطيت للدوحة، أم أن قرار الاستجابة وعدمها هو في طهران لا في الدوحة، وبين أيدي قيادات الإخوان المسلمين داخل قطر، بما سيجعل هذا التمديد بلا قيمة، وبدون تأثير، وكأنه لم يكن؟
* *
أتمنى على شيوخ قطر أن يصغوا للناصحين المخلصين، أن يتخلوا عن عنادهم وإمعانهم في تبني الإرهاب، وأن يتعلموا من هذا الموقف الخليجي الإجماعي بأنه آخر فرصة للتعامل مع الدوحة بوصفها دولة إرهابية، وبالتالي يكون تجاوب شيوخ قطر مع الوساطة الكويتية، والقبول بالمطالب، هو الذي ينقل الدوحة من خانة الإرهاب إلى الموقع الذي يستحقه المواطن القطري، حيث تكون قطر أحد أعضاء الجسم الخليجي، تشارك في الدفاع عن دول المجلس، لا التآمر عليه، تضع يدها بأيدي هذه الدول، لا أن تمد يدها إلى العدو المشترك، الذي يخدعها ويتآمر عليها، ولا ينفك في شحن نفوس شيوخ قطر، بما ولَّد هذه المواقف القطرية الشاذة التي تلبِّي مصالح إيران، وتقوِّض أمن واستقرار ومصالح دولنا.
* *
هل من ناصح مخلص يدخل على الخط القطري؟ وهل شيوخها على استعداد للقبول بأي مقترح يتعارض مع ما تمليه طهران على الدوحة؟ ومن هو هذا المصلح الشجاع الذي يملك من المنطق ما يؤثر به على قطر، بينما مسؤولوها غارقون حتى آذانهم بالقناعة والاستلطاف بأن ما تمليه إيران عليهم هو عين الصواب، وهو الموقف الصحيح الذي تلتزم به الدوحة أمام ما يُطالب به الأشقاء والجيران، وهو ما عبَّر عنه القطريون وهم يتنقلون بين محطات التلفزة؛ ليؤكدوا براءتهم من كل ما يقال عنهم، متناسين أن التهم موثَّقة بالصوت والصورة وبالوثائق المكتوبة.
* *
علينا أن ننظر وننتظر ما الذي سنكون موعودين به خلال الساعات القليلة القادمة، بعد أن تم التمديد ثمان وأربعين ساعة إثر الوساطة الكويتية. ومع أني غير متفائل بما يمكن أن تعطيه هذه الساعات من مواقف إيجابية لحل أزمة قطر، فإني آمل أن يكون لها مفعولٌ، وأن تلبِّي قطر مطالب الصوت العاقل، ولا تنساق نحو أوهام وتخرصات ووعود كاذبة، مصدرها العدو الإيراني، وأن يتحمل شيوخ قطر مسؤولياتهم في هذا المنعطف التاريخي المهم الذي تمر به المنطقة بدولها وشعوبها، فقطر لن تكون في مأمن من التحديات المستقبلية اعتمادًا على هذا الموقف القطري - الإيراني المشبوه.
* *
أتمنى ألا يأتي الرد القطري مخيبًا للآمال، وأن يحمل الرد الرسمي لقطر حول قائمة مطالب الدول الأربع بالموافقة عليها؛ لأن موقف المملكة والإمارات والبحرين ومصر على أي رد من قطر سوف يتم تقييمه لمعرفة مدى تجاوبها مع قائمة المطالب كاملة؛ ما يعني أن مساحة المناورة المتاحة للدوحة لم يعد لها وجودٌ كما كان الأمر من قبل؛ وبذلك فلا خيار أمامها إلا الموافقة على مطالب الدول الشقيقة، وهذا ما نتمناه، حتى يتم إقفال هذا الملف المزعج منذ سنوات.