فوزية الجار الله
لعلي لا أبالغ حين أقول إن الكتابة في السياسة، بالنسبة للبعض ومنهم أنا، تبدو أصعب من الكتابة في علم الذرة، فعلم الذرة يعتمد على معادلات كيميائية وأخرى حسابية دقيقة واضحة متفق عليها.. أما المجال السياسي فلكي تكتب فيه لا بد أن يتوفر لديك ما يلي:
أولاً: معرفة عميقة تامة بالحدث الذي ستكتب حوله والوقائع الأخرى المتصلة به والخلفيات التاريخية له والأحوال الاجتماعية والسيكولوجية للعناصر الإنسانية الهامة المرتبطة بالحدث.
ثانياً: حد أدنى من حرية التعبير عن الرأي الجمعي إن أمكن أو رأيك الخاص على الأقل.
ثالثاً: قدرة على تحليل الأحداث السياسية بشكل موضوعي نزيه في سياق القضايا والأوضاع الأخرى المحيطة دون تأثر بأحداث لحظية ظاهرة.
رابعاً: أن تتضمن هذه الكتابة إضافة مميزة لما ذكر حول قضية ما.
أما أن يشهر الإنسان قلمه ويتحدث كيفما اتفق أو أن يكرر ما يسمعه عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي فهذا أمر لا يبدو منطقياً أو مقبولاً. والتاريخ مليء بالأمثلة حول الأحداث السياسية المختلف عليها، على سبيل المثال حين صعد الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد هزيمة 67م مباشرة إلى المنبر وأعلن عبر الميكرفون رغبته بالتنحي عن كرسي الرئاسة ونقل السلطة إلى زكريا محيي الدين، اندفعت الجماهير في مظاهرات حاشدة رافضة لاستقالته ومطالبة إياه بالاستمرار رئيساً لمصر بناء على رغبتهم، كانت تلك المظاهرات حدثاً فريداً مدهشاً لكن اختلف المحللون السياسيون والمؤرخون حول صحة ذلك، فمنهم من يرى أن تلك المظاهرات تمت بشكل عفوي وهي تمثل رأي الجماهير وهناك فئة أخرى ترى أن هذه الاستقالة لم تكن سوى مشهداً تمثيلياً من قبل عبدالناصر كي يكسب تعاطف الجماهير، وفي هذا السياق يعتقد البعض على سبيل المثال بأن كافة المثقفين أو كل من له علاقة بالصحافة أو الإعلام لا بد أن يكتب رأيه في القضايا السياسية الهامة فهذا مؤشر واضح على حب الوطن والانتماء له وهذا غير صحيح ألبتة، فكما يقال: «كل مخلوق مُيَسر لما خلق له» ومن الممكن التعبير عن حب الوطن بمنتهى الهدوء من خلال العمل المتواصل لأجل البناء والإصلاح والتفوق والنماء.
** ثمة ظاهرة تكاد تكون معاناة شائعة، مشتركة لكافة أفراد مجتمعنا حالياً وهي اختلال الساعة البيولوجية بعد انتهاء الشهر الكريم، بعد أيام السهر المتواصل في رمضان بعضنا لأسباب العبادة وبعضنا لأسباب أخرى تقبل الله من الجميع، الآن نناضل في سبيل ضبط ساعات النوم في الأوقات الطبيعية وما زلنا نعاني وليس مثل الالتزام بدوام العمل الرسمي اليومي طريقة مناسبة لاستعادة نظام ساعاتنا البيولوجية الهاربة.