اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والإعلام هو اللسان الناطق باسم الشعب وهو الذي يجسد واقع الحال ولسان المقال لهذا الشعب، ويعطي عنه صورة للآخرين، فما هي الصورة الإعلامية المعطاة، وما هو الانطباع الذي يتركه هذا الإعلام لدى الغير؟ هذا الانطباع الذي قد يتحوَّل مع الأيام إلى قناعات يصعب تغييرها، لا جرم أن هناك بعض المحسوبين على الإعلام في الداخل وبعض القنوات الإعلامية التي تبث من الخارج لا يقدم أي من الطرفين الصورة الصحيحة التي تعكس عقيدة المجتمع وقيمه والثوابت التي يتمسك بها، وإنما يتم التعاطي مع ذلك انطلاقاً من ثقافة لا دينية ليبرالية التوجه بعيداً عن إدراك مسؤولية الإعلام تجاه الكلمة وكيفية توظيفها والتعاطي معها، مما يجعل المتابع للإعلام من خارج المملكة يأخذ صورة مغلوطة وانطباعات خاطئة لا تمت لثوابت المجتمع الدينية والقيمية بصلة، فيكون لهذه الصورة والانطباعات مردود سلبي على الدولة ومصالحها العليا والقضايا التي تتبناها.
والأزمة التي نحن بصددها بقدر ما تتأثر بالانطباعات والصورة المعطاة في السابق من قبل الإعلام بقدر ما تؤثر عليها الكيفية التي تدار بها حالياً من قبل هذا الإعلام، فعلاقة قطر بالإرهاب تعاملت معها بعض وسائل الإعلام بالتركيز على تنظيمات محسوبة على المذهب السني وبعض هذه التنظيمات تَسمى بالسلفية وهو خليط من المرتزقة والمأجورين والزنادقة والملحدين، والتسمية أتت لحاجة في نفس يعقوب، وبعضهم الآخر ليس ثمة إجماع على وصفه بالإرهاب والعزوف عن الإكثار من ذكره يخدم أهداف السياسة على المدى البعيد، ويحافظ على تماسك الإسلام السني، والأمر الغريب أن هذه الوسائل الإعلامية تمر على علاقة قطر بالإرهاب الذي ترعاه إيران وتنفذه أذرعها الشيعية مروراً عابراً، بينما كان من المفروض أن يكون هناك تركيز مماثل على علاقة النظام القطري بالنظام الإيراني ومليشيات الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني والحوثيين وغيرهم من عملاء وأتباع إيران باعتبار هؤلاء رعاة الإرهاب وأدواته ومصدر الخطر القائم والقادم، ولابد من فضح أمرهم وكشف سترهم من خلال وضع سلوكهم تحت المجهر لتعرية هذا السلوك الذي يحيك أصحابه نسيج الفتن في كل مكان، مستهدفين الأمة في دينها وأمنها.
والعامل الديني هو أكثر تأثيراً على مسار الأزمة وطريقة إدارتها، والإعلام يتعامل مع هذا العامل بشيء من السطحية والسلبية في الوقت الذي يعتبر الدين هو الرصيد الأساسي للنجاح والمحرك الأول لمشاعر الجماهير الإسلامية، والاهتمام به يمنع الخصم من استغلاله والعزف عليه لصالحه بشكل يوصد الباب بينه وبين أهم ورقة يستطيع إذا ما استخدمها بذكاء خداع قاعدة عريضة من المسلمين حيث إن مَنْ صنع الإرهاب ربطه بالإسلام أولاً ثم زرعه بين ظهراني المسلمين ثانياً لشق الصف وإحداث الفرقة والاقتتال.
كما أن العامل الإنساني هو الآخر يستدعي اهتماماً إعلاميا خاصاً لارتباط الأزمة الوثيق بالإنسان وما دار حول المقاطعة من الخلط الحاصل بينها وبين الحصار بسبب الطبيعة الجغرافية والتركيبة السكانية والتحول المفاجئ من حال إلى حال الأمر الذي أحدث عزلة اجتماعية وصدمة نفسية وخيبة معنوية وهزة اقتصادية جعلت الطرف المقاطَع يجد نفسه معزولاً لسوء عمله ومحاصراً بغياب أمله من هول الصدمة وقوة تأثيرها، وضعف الأداء الإعلامي في هذا الجانب أعطى فرصة ثمينة للطرف الآخر لتحويل مصائبه إلى مكاسب والعزف على الجانب الديني والإنساني على نحوٍ يلامس مشاعر الناس، مقنعاً عقولها ومدغدغاً عواطفها بوجود جناية دينية وجناية إنسانية ترتبتا على قرار المقاطعة.
والإعلام الذي عادة ما يطلب منه أن يكِّمل نقص السياسة ويسد ثغراتها، ويضفي عليها شيئاً من الواقعية والمصداقية التي تحتاج إليها حوّله بعض المتطفلين على الإعلام إلى عبء على السياسة، إذ يشوهها حيناً، ويخرجها عن سياقها حيناً آخر، وبدلاً من أن يوضحها ويجعلها في القالب المقنع يجلب إليها الغموض وينُفر منها، وذلك نتيجة لانشغاله بخبر مكذوب وترديد قول معطوب، بالإضافة إلى عدم التمييز بينما هو ذو شأن وما هو هابط وساقط، وكلها أمور تضر القضية أكثر مما تخدمها، وتتجافى مع الخطاب الإعلامي الهادف الذي يجعل المتلقي يستوعب الرسالة الإعلامية التي يحملها هذا الخطاب.