د. محمد عبدالله العوين
من يرصد نشاط جماعة الإخوان المحموم في قطر والمنابر التي منحت لمرشدها الأعلى يوسف القرضاوي ومن يتوافد عليها منهم، وما تهبه قطر لرموز الجماعة من أعطيات لا بد أن يذهب ظنه البعيد إلى أن من تبنى الجماعة ومنحها الخيط والمخيط في قطر حمد بن خليفة منتم إلى الجماعة؛ فهل هو كذلك حقا؟!
راهن حمد بن خليفة بانقلابه على أبيه 1995م أن يبني دولة جديدة مختلفة كل الاختلاف عن الدولة القطرية في مراحلها التاريخية السابقة من حيث الأيدلوجيا والانفتاح والتجديد والصوت السياسي المسموع؛ فهل حقق الحلم أم أخفق في ذلك؟
خرجت قطر من عباءة الماضي على يد الثائر المندفع المتطلع إلى تحقيق طموح أكبر بكثير من حجم قطر في مساحتها الجغرافية وفي بعدها السياسي؛ لكن الاندفاع المتهور والطموح الكبير الذي لا يستطيع الجسد النهوض به يسقط صاحبه ويدمر ما حقق من إنجاز، فحمد بن خليفة في توقه إلى بناء دولة قطر العظمى -كما يحلم- وتوقه إلى تغيير الخارطة العربية وتحطيم البنى السياسية فيه -كما أكدته أحداث الخريف العربي الذي ما زالت فصوله الدامية مشتعلة- يغامر ويقامر بدويلته التي تحيط بها دول كبيرة ذات نفوذ، ويرمي بنفسه وبمستقبل شعب قطر في أتون عواصف سياسية بتبنيه مفهوم «الثورة» و»التغيير» في الوطن العربي كله من خلال احتضانه الجماعات المتمردة والمنشقين على أوطانهم من مختلف التوجهات والصبغات الدينية واللادينية والقومية والوطنية كما يدعي وينتحل من تستضيفهم الدوحة وتحلهم من أرضها المكان العالي الرفيع؛ ليحقق بهم حمد بن خليفة طموحه السياسي الكبير في خلق الفوضى المؤدية في النهاية -كما يرى- إلى تكوين واقع سياسي جديد مختلف تتشكل فيه دول جديدة وتعاد فيه رسم حدود دول من خلال ما يتم من هدم وإعادة بناء بالثورات التي يحرض عليها نظامه السياسي وإعلامه المكلف بالتأجيج -والجزيرة مثالا- ومن خلال أكاديميات التغيير التي كونها في الدوحة، ومن خلال مؤسسات الدراسات الاستشرافية التي أوكل مهمتها إلى من استجلبهم لوضع خططها ورسم أهدافها كعزمي بشارة، ومن خلال نشاط جماعة الإخوان المسلمين التي منحها فضاء قطر الديني والثقافي والإعلامي وفتح أبواب قطر لأفراد الجماعة ليتوافدوا عليها من كل أنحاء الدنيا لتكون الدوحة عاصمتهم الأولى ومركز نشاطهم وبيتهم الكبير الذي يخططون فيه لمستقبل الجماعة ولخطوات العمل في كل قطر ومصر من ديار العرب والمسلمين، وحتى على المستوى الدولي بتنظير وتدبير من المرشد الأعلى يوسف القرضاوي.
هل يمكن أن نصدق أن حمد بن خليفة أو حمد بن جاسم مؤمنان كل الإيمان بفكر الجماعة وموقنان كل اليقين بالرؤى الفكرية لما سطره أساطينها بدءًا من مؤسسها التنظيمي حسن البنا ومرورا بمنظرها الفكري سيد قطب وما تفرع عنهما من أطياف وما تخرج في عباءتهما من تيارات يصل بعضها إلى التكفير والعزلة والعداء للحضارات وللثقافات الإنسانية؟!
أبدا لا يمكن التصديق بأن من انقلب على أبيه بدافع الخروج من عتمة الماضي يقع بأسلوب آخر في عتمات أشد حلكة بتبني فكر جماعة الإخوان المسلمين، ولن يقتنع من يعلم بتوجهات حمد بن جاسم الذي يشارك الأمير المنقلب على أبيه في أفكاره الثورية أنه يمكن أن يكون إخوانيا؛ لا هذا ولا ذاك، ولا تميم أيضا، ليسوا إخوانا ولا ينتمون في حقيقتهم إلى فكر الجماعة؛ إنما اتخذ حمد بن خليفة من الجماعة وغيرها من أصحاب الدعوات المختلفة ومن المنشقين السياسيين ورقات عمل لإحداث حالة الفوضى والانقلابات في المحيط الخليجي والعربي؛ وعلى الأخص في المملكة لتحقيق تمدده الجغرافي في بلادنا -كما يحلم- ولتغيير المنظومات السياسية في الوطن العربي منطلقا من توجه مبكر أصيل في شخصيته الثورية التي تبنت منذ صغرها أفكار جيفارا وكاسترو الأممية، ثم امتلأ بالاتجاه الناصري القومي؛ فهو قطري قومي أممي، لا صلة له بالجماعة إلا من باب توظيفها كورقة عمل سياسية لتحقيق الأحلام الخيالية الرعناء.