محمدالمهنا أبا الخيل
منذ أيام شاهدت مقطع فيديو للدكتور عبدالله الغذامي بعنوان (قراءة في الحالة القطرية)، والمقطع طويل، ولكن الذي شد اهتمامي بالمقطع هو تشخيص الإشكال بين قطر ومحيطها المجاور وحتى بعض الدول العربية الأخرى على أنه (مشكلة في الذاكرة) من الناحية الثقافية، وهذا الإشكال في الذاكرة ما زال يؤثر في الأحداث السياسية على نمط مسرحي متوالٍ أشبه بمسرحية (هاملت), المشكلة في الذاكرة التي أشار لها الدكتور عبدالله تتمثل في الحالة الذهنية المستدامة للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (أمير قطر السابق), والداعية للانتقام ممن يتعاطف مع محاولة والده الشيخ خليفة بن حمد استرداد شرعيته كحاكم لقطر بعد (انقلاب الشيخ حمد على والده). وكون هذه الحالة الذهنية تلح وتدفع الشيخ حمد لمزيد من الأذى لمن استعداهم نتيجة ذلك، لعله يتشفى أو هكذا يخيل له، ومع الزمن تحولت هذه الحالة الذهنية لسياسة دولة حتى مع ابتعاد الشيخ حمد عن مسرح القيادة المباشر.
الحالة الذهنية التي تستولي على شخص ما وتشعره بالعداء تجاه فرد أو أفراد وتشغل عقله بضرورة التصرف على نحو يحقق له الأمن من خلال الانتقام أو درء الظنون المتمثلة في ذلك القلق المستدام، هي حالة مرضية عقلية على درجة من درجات ما يشار له في علم النفس بجنون الارتياب (Paranoia)، وهذا خلل نفسي يصيب كثيراً من الناس، ويستولي على حالتهم العقلية بحيث يتصرفون بطريقة مضرة لعلاقاتهم بالآخرين مع قناعتهم بأن تصرفاتهم محض عقلية ومنطقية ومريحة لهم ومحققة لحاجتهم النفسية.
كما ذكر الدكتور عبدالله الغذامي في الإشارة لكون (الحالة القطرية) هي مشكلة في الذاكرة تأسست بفعل صادم ومثير للنفس، فإن حالة الارتياب (Paranoia) تحدث نتيجة لصدمة نفسية غير متوقعه، أو نتيجة لخوف شديد من فقدان مكتسابات ذات قيمة عالية نتيجة للشعور بضعف الأمن والحماية، وحالة الارتياب تبدأ بشعور بالإحباط والشك والغضب وعدم القدرة على التسامح والتحفز لحماية الذات ثم تنتقل للمرحلة الثانية عند الشعور بالحاجة للتصرف على نحو يحقق الأمن والحماية الذاتية من خلال اعتماد سلوكيات وترتيبات وقد تستمر المرحلة الثانية فترة طويلة من الزمن حسب كل حالة وما يقتضيه شعور المصاب بذلك الداء بالأمن والاستحكام من الضرر، حيث يمثل الأمن لديه حالة أولية تشغله عن كل هاجس أو شاغل كما عبر عن ذلك عالم النفس الشهير (إبراهام ماسلو)، وعند تحقق الأمن الذاتي، تبدأ المرحلة الثالثة وهي الانتقام، فالشعور لفترة طويلة بالخوف والشك والغضب كون حالة من (الكره) والرغبة في إيذاء المتسبب بصورة تشبع نفسية المصاب، ومرحلة الانتقام تمثل للمصاب قمة المتعة فهو يتلذذ بأثر الأذى الذي يحدثه للآخر، وقد لا يكون الانتقام قاتلاً في معظم الأحيان، حيث إن المصاب بحالة الارتياب ما زال في نظر ذاته شخص صحيح العقل يحتكم في نفسه للقيم العليا والأخلاق ويمتثل للقانون والعرف العام، ولكن مع ذلك وفي حالات شديدة من الارتياب يقدم المصاب على التصفية الجسدية خلال حالة المرحلة الثانية كإجراء وقائي لحماية الذات.
لا شك أن الشيح حمد بن خليفة آل ثاني مما يظهر من تصرفاته وسلوكياته مصاب بداء الارتياب (Paranoia)، ولكونه يعاني من ذلك نتيجة مواقف حكام دول مجاورة تجاهه كما يظن، ولديه قدرة على الوصول لموارد مالية هائلة وعلاقات دولية مؤثرة فإن حالته تصبح أكثر وضوحاً للمعاين دون الحاجة للتحليل النفسي، ولكن في المعتاد من الناس يصعب تشخيص حالة الارتياب دون التحليل النفسي، وفي مجتمعنا العربي حيث العلاقات الاجتماعية معقدة ومبنية على التكاتف والتعاضد فإن حالة الارتياب تنتشر نتيجة لعلو التوقعات والإحباطات عندما لا تتحقق، ونتيجة لحالة الأنظمة القضائية التي تمكن البعض من استغلال الآخرين المقربين والاستيلاء على حقوقهم بصورة تبدو نظامية مما يخلق حالة الارتياب.
نسأل الله الصحة والعافية لكل من يعاني وهو لا يعلم من ذلك الداء، ويخسر علاقته بالآخرين وهو يعتقد أن يحمي نفسه أو يحقق لها العدالة.