تحظى المرأة السعودية بتقدير حقيقي من ولاة الأمر - حفظهم الله - ولعل ما عكسته رؤية المملكة العربية السعودية 2030م، من معان وقيم رفيعة ترمي إلى تمكينها في مجتمعها؛ يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك على نظرتها الإيجابية للمرأة السعودية التي لطالما كانت بصماتها المميزة، حاضرة بقوة في ميادين كثيرة، أبرزها: التعليم والطب وغيرها من المجالات، انتهاءً بنيابة الوزراء ومستشارة للوزير، وعضوات مجلس الشورى.
كما استبشر الجميع بالصورة الوردية المنتظرة التي رسمتها الرؤية، والتي تفاءل بها المحللون أنها ستغيّر المعادلات الاجتماعية والاقتصادية على المدى القريب؛ من خلال تقديم الدعم، والعون لهن لتنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة في سوق العمل، وتوقعوا زيادة مشاركتها في سوق العمل بنسبة تتراوح ما بين 30 - 40 في المئة؛ ما يتناسب إلى حدٍ ما مع مشاركتها الملموسة في مجتمعها، فضلاً عن السماح لها أن تتبوأ مواقع قيادية مهمة خلال السنوات القليلة المقبلة، ولا سيما أنها تشكل نسبة 50 بالمئة من إجمالي مخرجات التعليم الجامعي وسوف تتعاظم هذه النسبة رويداً رويداً مع عودة جيل من المبتعثات المؤهلات من الخارج والاستفادة من خبراتهن، وزيادة فرص العمل لهن وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، معتمدات على أنفسهن في المجالات كافة.
وفي الوقت الذي تؤطّر هذه الرؤية الراجحة جميع جوانب حياتنا، ما جعلنا متفائلين بهذه الصورة الوردية ومواصلة هذه المسيرة المظفرة للمرأة السعودية، التي يمكن وصف هذه المرحلة بالعصر الذهبي لها؛ سُرعان ما تتحطم آمال المرأة السعودية على صخرة بقايا العقليات الذكورية، التي تحاول يائسة، بائسة، تهميش دورها في المجتمع، بل حتى حرمانها من أدنى حقوقها الإِنسانية بمنعها قسراً من (العمل) بزعم الاختلاط، وارتياد مراكز العمل والعلم والمعرفة..! ما يجعلنا نتساءل: هل الإسلام يمنع المرأة من العمل في ظل توافر الضوابط الشرعية المتاحة؟ وهل أخطأت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عندما منحت المرأة فرصتها للمشاركة في البناء الاقتصادي لتفيد نفسها ومجتمعها وتجاوب معها كثير من المؤسسات والمنظمات الوطنية في هذا الخصوص؟! وهل يعي دُعاة تهميش المرأة وإقصائها بل تحنيطها، مواءمة هذه الدعوات مع صحيح ديننا، ثم مع الإرادة السياسية التي توجهت بهذه الرؤية لتنمية عموم الوطن بما فيها شقائق الرجال؟! كيف تتوازى توجهات الدولة في رؤيتها وخططها الواسعة للإصلاح الاقتصادي في السنوات المقبلة وكذا برنامج التحول الوطني، الذي يتسع نطاقه ليشمل المرأة، مع مثل هكذا قيود ذكورية تؤثر في تشكيل المجتمع السعودي وتحد بقوة من دور المرأة؟! وهل أدرك ذوو العقول الذكورية، شناعة هذا الجُرم، الذي يتعاملون به مع المرأة وكأنها كمٌّ مهمل، لا يحق لها أن تحيا في المجتمع الذكوري؟!
وإذا كان الله تعالى قد كرّم المرأة كما الرجل، وأنزلها منزلة شريفة رفيعة، وحماها من الابتذال، وحيث أجمع أهل العلم على أن الأصل في عمل المرأة، هو الإباحة، والجواز إذا كان منضبطاً بالضوابط الشرعية، ومنها: شرط الالتزام بالحجاب، وعدم الخضوع في القول، وغض البصر، والاحتراز من الخلوة المحرمة، وعدم مصافحة الرجال؛ فإنَّ هذه الذهنية الأبوية تأبى إلا أن تعيدنا الى المربع صفر لا الأول..؛ ما يدعو إلى تدخل ولاة الأمر، لكبح جماح مثل هذه الرغبات الشوفينية للحيلولة دون تعطيل طاقات نصف المجتمع؛ وتبيان قيم ديننا الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحة في هذا الخصوص، للحد من أصحاب هذه الممانعات لكل مشروع تنموي ينهض بالوطن اجتماعياً أو اقتصادياً أو ثقافياً تكون المرأة جزءاً منه..؛ وتجريم لكل معوّق لتمكينها؛ والتحرك الرشيد نحو تعطيل هذه الطاقات مجتمعياً على الأصعدة كافة، ودحض المزاعم التي تحد من نشاطها وتعطل مسيرتها في تنمية المجتمع، وتجفيف منابعها الفكرية جنباً إلى جنب مع دمجها، وإشراكها في صنع القرار، وتنمية مهاراتها، وتوظيف طاقاتها في المسيرة التنموية للوطن.
إنني وبكل ثقة أبشّر هؤلاء المثبطين وأقول: إن السبيل أمام مبدعاتنا ومثقفاتنا ومتميزاتنا الوطنيات مشرقٌ، بما يحملنه من طاقات إيجابية، تجعلهن في الصدارة، متناسيات كل التحديات والمعوقات التي قد يضعها البعض أمامهن؛ لخدمة دينهن وقيادتهن ووطنهن المفدى بكل ما أوتين من قوة وعزم بمشيئة الله تعالى.
- مدير المسؤولية الاجتماعية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية