رحل.. رحل... وأنا غير مصدق؛ ولكن كنت مؤمناً «بقضاء الله وقدره»، وأن لكل أجل كتاباً، وكل إنسان سوف يموت؛ لكن هول الصدمة إنساني كل شيء. كانت آخر مكالمة معه الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم الأربعاء السادس والعشرين من رمضان لهذا العام، وكنت في انتظار المكالمة بعد صلاة الظهر من اليوم نفسه؛ وفجأة.. تلقيت مكالمة عصر اليوم نفسه من صديق يقول: أعظم الله أجرك في مساعد.. وكنت خارجاً من مكتبي إلى منزلي، واصلت طريقي للمستشفى غير مصدق لما حصل؛ ومصادفة قابلت أحد العاملين وسألته عن قسم الطوارئ؟ فقال: أتسأل عن الدكتور/ السدحان، أعظم الله أجرك. واصلت السير للطوارئ غير مصدق.. وبعد وصولي رأيت هناك رجالاً والدموع تذرف من أعينهم فإذا بهم أخوته، وأبناؤه، وأخوال أولاده؛ وتأكدت من الخبر وحارت الأقدام.. وانهمرت الدموع.. وانقطع التفكير.. وأثناء نقله لتغسيله وتكفينه فتحت الغطاء وطبعت قبلة على وجهه ورأيته يشع نوراً مشرقاً، وحمدت ربي على ذلك وسألته أن يبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، ومنا جميعاً، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
رحل.. رحل... لقد فجعت برحيل الصديق البروفيسور الدكتور/ مساعد بن عبدالله السدحان، أستاذ العمارة بكلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود؛ الصديق الوفي، الرجل الشهم الكريم ذو المواقف النبيلة، والأيادي البيضاء؛ لقد كان وقع خبر وفاته كالسهم في الخاصرة، والرصاصة في القلب..، كان هذا الرجل يأسرك بابتسامته.. ونبل خلقه.. حلاوة لسانه.. وطيب حديثه..، أهداني قبل نحو أربعة أيام من وفاته نسخة من مجلة الدارة التي قامت بنشر بحث أعده حول (التأسيس للعمارة الحديثة والعمران بمدينة الرياض في عهد الملك عبدالعزيز) وطلب مني قراءته وإبداء مرئياتي مكتوبة؛ ولكن القدر لم يمهل..، والأيام انطوت..، وانقطع صوتي..؛ كان - رحمه الله - يشرفني بالاتصال اليومي أكثر من مرة للاطمئنان علي ومناقشتي في بعض الأمور الاجتماعية والآراء النظامية؛ كان يجمع بين العمق الثقافي والعمل المهني: صاحب رأي ومشورة، محبوباً من جميع معارفه، مقدراً من قبل طلابه..؛ كان يعتبرهم إخواناً له يلتقي بهم في منزله ويناقشهم في بحوثهم خاصة طلاب الدراسات العليا، ويوجههم كل ذلك خارج أوقات العمل.. مصابنا جلل.. ولكن الرضاء بالقدر واجب، أعظم الله أجر أسرته الكريمة وعزاؤنا لرفيقة دربه أم محمد، وابنيه محمد، وعبدالله، وابنته نورة؛ وفي هذه الأيام المباركة أرفع يدي للمولى الكريم أن يدخله الفردوس الأعلى، وأن يجمعه بوالديه في جنات النعيم.
رحمك الله أخي وقرة عيني مساعد، وأني لفراقك في هذه الدنيا محزون، والفؤاد مفطور.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}، والحمد لله رب العالمين.
... ... ...
عبدالعزيز بن محمد المجلي - مدير عام الإدارة العامة للمتابعة والبحوث - المتحدث الرسمي لهيئة الرقابة والتحقيق