عبدالعزيز السماري
كان العرب يرددون في أحاديثهم أن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية، لكنهم بعد أزمة سبتمبر الشهيرة استبدلوه بالموقف الأشهر والأكثر استخداماً في الزمن الحاضر، إذا لم تكن معي فأنت ضدي..
قد تطورت استعمالاته في مختلف المجالات، في السياسة والإعلام والثقافة والطرح الديني، ووصل إلى النشاطات الرياضية التي كانت دوماً منافساتها تتسم بجمال روح المنافسة والابتسام عند الهزيمة والتواضع عند النصر..
كانت هذه الجملة شعاراً لجورج بوش الابن في حربه ضد الإرهاب، فأصبحت الأشياء والأقوال في مختلف نواحي الحياة الأمريكية تأخذ منحى التطرف ونبذ الآخر، فإما أن تكون معي أو أنت ضدي، ووصل الأمر إلى فرز الأقوال والأشخاص إلى إما معي أو ضدي، وهو علامة سلبية للتدهور في مختلف نواحي الحياة، وأدى ذلك إلى استقطاب الناس في المجتمع الواحد.
في أمريكا أسقط أوباما، برغم من مساوئه، مشروع بوش الابن في تقسيم العالم إلى ضدين، لكن هذه المقولة استوطنت عقل المواطن العربي، وقد وجد ضالته فيها، وبعدها أصبحت الوطنية على مستوى كثير من دول العالم تُقاس بالرأي والرأي المخالف، وذلك خطر عظيم، ستكون له عواقبه على المجتمعات، وسيكون الأمر في خيار في إما النفاق أو الصمت المؤلم..
لا يوجد في الإعلام أو الثقافة أو في مختلف مجالات الحياة رأي مطلق، ولكن توجد مواقف محددة، يتخدها صاحب الأمر، لكن يظل الرأي العام يخرج من تلك المعادلة، ومن أجل فهم القضية علينا العودة إلى تاريخ الدول الشمولية في أوروبا مثل إيطاليا في عصر الفاشية، وألمانيا في زمن النازية، فقد تحول التعامل مع الثقافة إلى شأن أمني أو وطني، وكانت النهاية مأساوية..
على المستوى العربي كانت الناصرية مثالاً لصبغ الآراء بلون واحد، واعتبار المخالف لرأي الزعيم خائناً لوطنه، وكانت النتيجة نسيجاً من النفاق أدى في نهاية الأمر إلى النكسة الشهيرة في عام 1967، لأن تعدد الآراء حالة صحية لا يراها إلا المصابون بمرض القمع على طريقة إذا لم تكن معي فأنت ضدي..
لهذا الأسلوب عواقب كارثية حتى على مستوى العائلة أو الطرح الديني، فالآراء في طبيعتها أن تختلف، وقراءة الأحداث تتغير باختلاف العقول، وكان الإرهاب نتيجة مأساوية لتوحيد الرأي الفقهي في زمن الثمانينات من خلال تسييس الدين بالرأي الموحد..
سيعيش العالم في أزمة خانقة إذا أصبح المجتمع بمختلف فئاته يفكر من خلال شعار إذا لم تكن معي فأنت ضدي، مبدأ مدمر للوحدة الاجتماعية ولوحدة الأسرة، ويؤدي إلى تبني فلسفة العزلة للفئات المختلفة، ثم التقوقع حول نفسها، وينتج عنها إما الصمت الاختياري أو اختيار المنفى للعقول لإشباع حاجة التفكير في الزوايا المظلمة..
من أجل إخراج هذا الفيروس من عقول النشء، في هذا الكون على العالم أن يبدأ من المدارس لغرس مبدأ التسامح في العقول وتعليم مبدأ قبول الاختلاف كضرورة في العيش المشترك، وسيكون أثر ذلك إيجابياً على مختلف فئات المجتمع... عندها ستتحول دول العالم إلى مجتمعات أكثر نضجاً وأكثر تحضراً..