د. أحمد الفراج
لم تتخذ المملكة وحلفاؤها قراراً كبيراً بمقاطعة قطر، إلا بعد أن استخدمت كل الوسائل، ويئست من تعديل قطر لسياساتها العدائية، وبالتالي فإن من غير المتوقّع أبداً أن تتنازل دول المقاطعة عن أي شرط من شروطها، وخصوصاً أن معظم دول العالم الكبرى تؤيِّد موقفها، فالإرهاب الذي تدعمه قطر، وكان حصراً في منطقتنا، امتد لتصل ناره إلى عمق أوروبا وأمريكا، فالحوادث الإرهابية التي شهدتها باريس ولندن وبروكسل كانت إنذاراً صارخاً لأوروبا وأمريكا بأن ويلات الإرهاب وصلت إليها، وهو الأمر الذي حذَّر منه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- قبل سنوات عندما قال : «إن لم يتحرك الغرب بجدية لمحاربة الإرهاب، فإنه سيصل إليهم حتماً»، وهو التنبؤ الذي تحقق، وأدرك العالم من خلاله مدى خطورة الإرهاب الذي عانينا منه طويلاً.
قطر، وعلى لسان مسؤوليها الرسميين، ووسائل إعلامها، ما زالت تستخدم المنطق الأعوج، وذلك بادعاء أن دعمها للتنظيمات والرموز الإرهابية، وفتح منابرها لهم، يعتبر جزءاً من حرية التعبير! كما أنها تصدق نفسها أنها الحامي لقضايا الشعوب! وهو ذات المنطق الذي سمعناه من بعض الدول الغربية، التي استضافت وأكرمت رموز تيارات الإسلام المسيس، ومقاتلي طالبان، والمتطرفين المطرودين من بلدانهم، ومنحتهم حق الإقامة والرعاية، بحجة أن هذا يدخل في باب نصرة المظلومين! ولم تدرك هذه الدول خطأها الفادح، إلا بعد أن وصل الإرهاب إلى عقر دارها، وعلى يد العقارب التي أكرمتها، فمن يربي العقارب، لا بد أن تلدغه يوماً، ومشكلة قطر هي أنها تتعامل بازدواجية، كما وصفتها بعض الدوائر الغربية، فهي تزعم أنها تتعاون لمكافحة الإرهاب، وفي ذات الوقت، تدعم رموزاً وأحزاباً إرهابية، ولا يمكن للعالم، وليس فقط دول المقاطعة، أن يسمح بذلك، فقد أصبح كل شيء واضحاً للعيان، كما لا يمكن لسياسات التخبط والتناقض، التي تنتهجها قطر أن تستمر، فالمقاطعة جاءت لتضع حداً لسلوك عدائي، استمر لأكثر من عقدين.
يتحدث البعض، خصوصاً وسائل الإعلام القطرية، عن ضغط أمريكي على دول المقاطعة، وهذا زعم باطل، والواقع هو أن أمريكا حريصة على وحدة الخليج، ولكنها أيضاً أكثر حرصاً على مكافحة الإرهاب الذي تدعمه قطر، وقد عبَّر الرئيس ترمب عن ذلك بكل وضوح، وفي أكثر من مناسبة، وعلاوة على ذلك، فإن دول المقاطعة تملك أدلة دامغة ضد قطر، تم نشر اليسير منها، وتبقى ما هو أدهى وأمر، وقد سعت لإطلاع عواصم الغرب المهمة على ما يكفي لاتخاذ موقف حازم من قطر، ويبدو أن نجاح هذا المسعى كان سبباً لطلب قطر تمديد المهلة، وهو الأمر الذي قبلته دول المقاطعة، على أمل أن يعود حكام قطر إلى رشدهم قبل فوات الأوان، ورغم تشاؤمي من حدوث أي انفراج في الأزمة، بعد نهاية المهلة الإضافية، إلا أن هناك بصيص أمل في أن تدرك قطر أنها تقف ضد العالم أجمع، عدا إيران، وأن قضيتها خاسرة، وبالتالي تستجيب لمطالب دول المقاطعة، دون شرط أو قيد، خصوصاً إذا ما كان هناك ضغط أمريكي عليها بهذا الخصوص، وسيتبين كل شيء قريباً جداً، فإما انفراج للأزمة، وعودة قطر لحضنها الخليجي والعربي، أو تصعيد من دول المقاطعة ضدها، وهو الأمر الذي سينتهي بإذعانها في نهاية المطاف، فصاحب القضية العادلة ينتصر على الدوام!