د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الخيل في العصور الماضية كانت بمثابة ناقلات الجند في عصرنا الحاضر، كما أنها تشكل إذا ما امتطى صهوتها جوادا دبابة مقاتلة سريعة الحركة قابلة للمناورة في ميادين القتال، ولهذا فإن حكام الجزيرة الاليبريه، التي تمثلها أسبانيا والبرتغال في العهد المسيحي حريصون على عدم تصدير الخيول، خوفاً أن يقع ذلك السلاح الفتاك في أيدي أعدائهم من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أما الحكام المسلمون في الأندلس، فلم يضعوا قيودا صارمة على تصدير الخيول كما هي الحال في بقية الجزيرة الاليبريه في أوقات مختلفة، وذلك لأنهم لا يرون خطراً عليهم، فهم يؤمنون أن الخيل وحده، ليس القوة الفعالة، وإنما كان بالإضافة إلى ذلك مهارة الفارس وقدرته على المناورة.
بعد استيلاء المسيحيون على طليطلة وانتزاعها من أيدي المسلمين، وكذلك قيام الحروب الصليبية في القدس وفلسطين قاطبة، زادت القيود على تصدير الخيل، وفي بداية القرن الثالث عشر، شدد الحكام المسيحيون في الأندلس القيود على تصدير جميع أنواع الحيوانات إلى البلاد الإسلامية، ويشمل ذلك الخيل والبغال والحمير.
في بلاد طليطلة عام 1207 ميلادية أمر الفونسو حاكم قشتاله تصدير مثل هذه الحيوانات إلى البلاد الإسلامية، بما فيها تلك الممالك الإسلامية في شبه الجزيرة الاليبيريه المجاورة لطليطلة، ثم مالبث أن سمح بتجارتها طالما لايوجد بها خيل يمكن استخدامها في الحرب، وهناك وثائق عام 1246-1338 ذكرتها السيدة أوليفيا في كتابها التجارة والتجار في الأندلس، تثبت أن المتع قد خفف فيما بعد واستبدل بفرض ضريبة على الخيول والبغال التي تدخل بلاد المسلمين لغرض الاتجار، أما بلاط السيد بورجوس، فقد سمح لبعض الخيول الموجودة تحت سلطته أن تنقل إلى البلاد الاخرى لا سيما الخيول العربية، واستثنى من ذلك التصدير إلى بلاد المسلمين، وقد يكون ذلك بسبب خوفه من استخدامها ضده، أو للحقد الدفين الذي تراكم بسبب الحروب المتوالية، التي كانت قائمة آنذاك بين الممالك الإسلامية والممالك المسيحية المتواجدة في شبه الجزيرة الالبيريه، والتي امتدت لقرون عديدة، حيث مكث المسلمون هناك نحو ثمانية قرون، ثم القضاء على ممالكهم، ومن ثم طردوهم خارج شبه الجزيرة، في مأساة مشهورة معلومة لدى الجميع.
مع كل تلك القيود والقوانين الصادرة لمنع تصدير الخيول بأنواعها إلى البلاد الإسلامية وغيرها، فإن التجارة في الخيل ظلت قائمة بطريقة غير قانونية فقد كان الأندلسيون وغيرهم من سكان شبه الجزيرة الاليبريه، يجدون الثغرات غير القانونية التي ينفذون من خلالها إلى الأسواق الأخرى، طمعاً في المزيد من المال كما هي حال البشر في كل الازمان.
وبعضاً من حكام الأندلس المسيحيون يرون أن الخيل في الغالب تكون من ممتلكات الحاكم يهبها لمن يشاء، وزينة له ولبلاطه ولهذا فإن المتاجرة بها خارج الحدود هي عبارة عن تصدير مال خاص بالسلطات وهو ما لا يمكن قبوله.
والخيل يقتنيها الناس بالإضافة إلى ركوبها في السلم والحرب هي كذلك زينة يتبناها الحكام وذوي الشأن والسلطان، فهي جمال حينما يريحون أو يسرحون، وهي بهذا أداة فاعلة وهامة في ذلك الوقت وفي كل وقت، ولعلنا نجد أنفسنا في هذا الزمان، نتاجر بالخيل للزينة فقط، والتفاخر بالاقتناء وذلك لزوال استخدامها في الحروب في ظل الآلات والتقنية الحديثة، لكن الاتجار بها ما زال قائما، وأسعارها تعانق عنان السماء، والمراهنة عليها تجلب ملايين الدولارات، إضافة إلى ماتدره من مال على مقتنيها، ومربيها، والعاملين فيها، والسماسرة في الاتجار بها.
ومن المؤكد أن الولع بها سيظل قائماً ماكان على ظهر البسيطة بشر، فالكثير مولع بها لاستخدامها في الزينة، أو السباق، أو لمجرد الاقتناء.