فيصل أكرم
تفاءلتُ بأخبار نشرت في الصحف المصرية عن إقامة معرض للكتاب بشارع فيصل في الجيزة، وكانت الأخبار تتحدث عن مشاركة الجهات الرسمية المصرية المعنية بنشر الكتب بالإضافة إلى 48 ناشراً مصرياً، يعرضون كتبهم بتخفيضات في أسعارها تصل بسعر الكتاب إلى جنيه واحد فقط(!) ومهما تكن الأسباب أو المبررات، برأيي، فذلك يعتبر دعماً حقيقياً للكتاب ومحفزاً مهماً للقارئ أن يقدم نحو هذا الكائن الخلاّق الذي يكاد أن يندثر متوارياً خلف شاشات التقنية المفتوحة على كل الأسطح المتقابلة.
ذهبتُ وفي قراري عدم مزاحمة الناس في شراء كتب قد يكون غيري بحاجة إليها في هذه المناسبة الرمضانية المميزة، ذهبتُ أنوي عدم شراء إلا ما يجبرني عنوانه على شرائه.. وهل غير العنوان دليل على المحتوى؟ المهم، أجبرني هذا العنوان الكبير فعلاً: (ثورات الشعر الكبرى)، والصادر حديثاً - 2016، فاشتريته وأنا بكامل قواي العقلية!
الكتاب كبير في الحجم أيضاً، أكثر من 600 صفحة، ولكن هل كان المحتوى يتطابق مع العنوان؟ والله لا، وإليكم نبذة عن المحتوى المحدود جداً والمغالطة الشديدة جداً في العنوان:
الكتاب لم يكن يتحدث عن الشعر بالمطلق، ولا عن ثورات الشعر - كبرى كانت أو صغرى – في العالم الذي نعيش فيه كبشر نحبّ الشعر ونتأثر به ونثق بأنه الفنّ الأعمق والأبقى على مرّ التاريخ واختلاف الجغرافيا وتعدد اللغات، بل كان يتحدث فقط عن مجموعة من الشعراء في (فرنسا) وحدها، وفي العصر (الحديث) وحده، وليته انتقى الشعراء المؤثرين هناك وارتقى بهم عن عديمي الموهبة غير أنه خلط الحابل بالنابل ليملأ هذا الكم الهائل من الصفحات بتعريفات في مجملها إنشائية ارتجالية متشابهة يتضح لمن يقرأها أنها منقولة عن لغة أخرى نقلاً لا يتجاوز إتقان ترجمة (جوجل) شديدة الركاكة (الآلية) فاقدة الترابط في المعاني وتناسق التركيبات للجمل المفيدة – إن كان ثمة ما يستحق أن يسمّى جملة مفيدة في الكتاب كله! – ناهيك عن إعدام (ولا أقول انعدام) اللغة الأدبية وبلاغتها إعداماً لا رحمة فيه!
هذا كل شيء عن مضمون المحتوى، فماذا عن معنى العنوان (ثورات الشعر الكبرى)؟ أقول وأنا بكامل قواي الأدبية هنا إنه عنوان كاذب مضلل فيه خداع كبير يصل حدّ الجريمة التي أستغرب صدورها عن (المجلس الأعلى للثقافة) في مصر، فالغلاف مكتوب عليه اسم (حمادة إبراهيم) فقط، مما يدل أن هذا اسم مؤلف الكتاب، بينما محتوى الكتاب شديد الوضوح في كونه كتب في أساسه بلغة أخرى غير العربية، كتب بالفرنسية تحديداً، وتمت ترجمته بالطريقة التي لا تتجاوز النسخ واللصق عبر محركات البحث والترجمة الإلكترونية التي لا تليق بطلبة المدارس ناهيك عن إصدارات الكتب، وأي كتب؟ كتب تتحدث عن الشعر، وأي حديث؟ حديث عن (ثورات الشعر الكبرى) بالمطلق!
لن أطيل في ما يسميه الناس بالنقد، ولا حتى في الانتقاد، فأنا لستُ بناقد ولا أحبّ الانتقاد، ومن يتابع زاويتي هنا يجدني أتجنب السلبيات حين أتحدث عن أشخاص أو أعمال وأكتفي بتقديم التحية لكل أديب أو عمل أدبي يستحق التحية، غير أن هذا الكتاب لا يستحق أن أقدم له ولا لمؤلفه سوى (...) أستحي أن أقولها، لذا سأكتفي بتقديم اقتراح للناشر بضرورة سحب الكتاب من أسواق الكتب وإعادة طباعته – إذا كان لا بدّ من طباعته ونشره – مع تصويب الخطأ الفادح في العنوان، فهو لا يستحق أكثر من عنوان محدود مثل (تحوّلات الشعر الفرنسي) ويبقي على العناوين الفرعية في متن الكتاب (الرومانسية، البارناسية، الرمزية، السريالية) إن كان لا بدّ، مع أهمية إضافة اسم المؤلف الأصلي وكتابة كلمة (ترجمة) بعد مراجعتها بشكل يليق أن يصدر في كتاب يتحدث عن الشعر.. فالشعر قيمة كبرى وقد مرّ بثورات كبرى حقيقية دعوها في حالها إن كنتم غير قادرين على إتقان رصدها وتوثيقها من أساساتها مختلفة اللغات والانتماءات، واحرصوا فقط على عدم الإساءة لكل منتمٍ إلى الشعر بمثل هذا الكتاب الذي أراه فعلاً من (خيبات الكتب الكبرى) وأنا مسؤول عن كلامي وقد أبرأتُ به ذمّتي.