أ.د. حمد بن ناصر الدخيِّل
كانت تربط عبد الله أبو شبيب بسليمان بن محمد بالغنيم أحد تجار الأحساءِ ووجهائها وعميد أسرته أخُوَّةٌ وصداقةٌ، وكان يدعو أسرة المعهد بوساطة أبي شبيب للإفطار في منزله في يوم من أيام رمضان، فلما أحيل أبو شبيب إلى التقاعد انقطعت الدعوة. وحضرتُ مناسبتيْ إفطارٍ في رمضانين متتاليين. ذكر محمد بن عثمان بن صالح القاضي في (روضة الناظرين: 3-143، 185، أن سليمان آل غنيم كان مفوضاً سابقاً في بيروت، ويذكر أن أصلهم من ثادق، وأنهم من البدارين من الدواسر، والصحيح أنهم من بني خالد كما ذكر آل عبد القادر، وحمد الحقيل، وحمد الجاسر، ويرى الحقيل أنهم من جلاجل أصلاً.
كان رمضان عام 1391هـ حافلاً بدعوات الإفطار والعشاء فعلاوة على دعوة سليمان آل غنيم، فقد تناولنا طعام الإفطار في 7-9-1391هـ الموافق 26-10-1971م في منزل زميلنا في المعهد عبد العزيز بن عبد المحسن الملحم ـ رحمه الله ـ، وفي يوم الخميس 9-9-1391هـ الموافق 28-10-1971م أفطرنا عند عبد الرحمن الثميري، وهو من الذين انتقلوا من المجمعة، واستقروا في الأحساء، ومنزله في المزروعية، وفي يوم السبت 11-9-1391هـ الموافق 30-10-1971م أفطرنا عند عبد الله الخيال، وهو من المجمعة الذين انتقلوا إلى الأحساء، حينما عين الشيخ محمد بن عبد المحسن الخيال قاضياً فيها، وكان يعمل في هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما كانت تسمى آنذاك، وفي يوم الأحد 12-9-1391هـ الموافق 31-10-1971م، أفطرنا عند زميلنا في المعهد إبراهيم بن محمد النعيم، وتناولنا عنده طعام العشاء يوم الثلاثاء 14-9-1391هـ الموافق 2-11-1971م، وفي يوم الأربعاء 15-9-1391هـ أفطرنا عند محمد بن شديد - رحمه الله - المراقب في المعهد في منزله بالثليثية.
في الأحساء لن تجد صعوبة في البحث عن مكان نزه تقضي فيه ساعات من نهار؛ فالنخيل ساحات مفتوحة لمن يريدُ أن يستمتع بجمالِ المكان والخضرةِ. والنسيم الرقيق وينابيعُ العيون أماكنُ مفضلةٌ للرحلات القصيرة، ومغارة جبل القارة المشهور من الرموز السياحية في الأحساء. وأحياناً يفضل بعضُهم الاستمتاع بمنظر الصحراء، فهناك الجبال الأربع (الأربعة)، التي تنتصب شامخة في طريق الأحساء - قطر، قامت أسرة المعهد برحلة غداء إليها يوم الخميس 22-2-1392هـ الموافق 6-4-1972م، وقمنا برحلة مماثلة إلى المشتل مع بعض الزملاء في المعهد. أما جبل القارة فتكررت زيارتي له مع بعض الأقارب والأصدقاء، وكنا نستمتع بدفء مغارته الذاهبة عمقاً أسفل الجبل شتاءً، وببرودتها صيفاً. وكانت المغارة تزداد ظلاماً كلما ولجنا داخلها، ومارسنا السباحة كثيراً في العيون، واستمتعنا بمائها الدافئ، ونجد في الماء أحياء صغيرة تعوم فيه، وتلدغ أجسامنا لدغاً نشعر معه بالراحة، وكان أبو شبيب يقول لنا ونحن نسبح سوياً: إن عضها يخلص الجسم من الأوساخ. لا أنسى كلمته هذه.
في الأحساء أماكن معروفة مشهورة لتمضية أوقات الراحة والاستجمام والتنزه والترفيه عن النفس. كعين أم سبعة، وعين نجم، وعين الأخدود، وجبل القارة، والمشتل الزراعي وغيرها. كنا نقضي فيها أوقاتاً ممتعة.
افتتاح مشروع الري والصرف:
في يوم الاثنين 11-1-1391هـ الموافق 29-11-1971م قدم الملك فيصل ـ رحمه الله ـ إلى الأحساء؛ لافتتاح مشروع الريّ والصرف. وبعد مغرب يوم الثلاثاء ذهبنا إلى قصر الإمارة حيث يقيم الملك، وسلمنا عليه، كان وفدنا يتكون من مدير المعهد ومدرسيه، ورأينا القاعة الواسعة غاصة بوفود المسلمين، وقد اقتعدوا الكراسي يستمعون إلى حديث الملك، غادرنا المكان قبيل آذان العشاء. وفي يوم الأربعاء 13-1-1391هـ الموافق 1-12-1971م افتتح الملك المشروع، وحضرنا الافتتاح بعد الحصة الثالثة، وحضره جمع غفير من مرافقي الملك، ومن سكان الأحساء، وممن قدموا إليها من أماكن أخرى. لقد كان يوماً مشهوداً.
كان الشيخ أبو يوسف محمد بن نفيسة مدرس الفقه في المعهد كفيفاً، وحرص على أن يسلم على وزير العدل محمد الحركان، فذهبت به إليه، وقلت: إنه مدرس الفقه في المعهد، فهش الشيخ الحركان في وجهه وبش، ورحب به.
شراء أول سيارة
حينما قدمتُ إلى الأحساء لم يكن لدي سيارة، ولم أكن أحسن قيادتها. بذلت محاولات للتعلم بوساطة الأخ إبراهيم بن عبد الله الخيال نزيل الخبر الآن على سيارته البيجو، وكنت سابقاً أخذت دورات في الغرابي في الرياض، مدة الدورة ساعة بثمانية ريالات، ومن هذه المحاولات عرفت أصول قيادة السيارة معرفة مبتدئ. وهذه المعرفة اليسيرة أغرتني باقتناء سيارة، بعد أن وجدت مشقة في الاعتماد على سيارات الأجرة في داخل المدن، وفي السفر منها وإليها. ولكنني ـ آنذاك ـ لا أملك ثمنها نقداً؛ فالراتب القليل يذهب في الإيجار والتأثيث والمصرف اليومي والشهري مثل الفواتير، وربما بقي منه يسير، أولا يبقى منه شيء، فقد كنت مغرماً باقتناء الكتب، وشراؤها يحتاج إلى ميزانية خاصة مع ملاحظة أن الأثمان في الأحساء تبدو أكثر ارتفاعاً منها في الرياض، ولا سيما في المصروفات اليومية. رأيتُ أنه لابد من السيارة ولو كان ثمنها تقسيطاً، فعرجتُ على وكالة أو شركة الجبر للسيارات في الهفوف، وتقع على امتداد سوق الخميس بالقرب من المعهد، ووجدت أن قيمة السيارة نقداً أو تقسيطاً مرتفعة بمقياس تلك الأيام، بالنسبة لما نتسلمه من رواتب، وألفيت أن التقسيط يزيد في الثمن عن النقد بنحو 2800 إلى ثلاثة آلاف ريال، فاخترت أصغر سيارة في المعرض، وهي من طراز داتسون سيدان صغيرة بيضاء 1200، ابتعتها تقسيطاً بمبلغ 10800 ريال، دفعتُ لمدير الشركة عبدالعزيز بن حمد الجبر نقداً 3800 ريال، والباقي سبعة آلاف ريال، توزع على أقساط شهرية، مبلغ كل قسط 350 ريالاً، وبلغت الأقساط بهذا الحساب عشرين قسطاً لعشرين شهراً، دفعتها دون أن أتأخر في دفع قسط واحد، بل كنت أحياناً حين أتسلم الراتب أدفع القسط قبل حلول موعده.
بعد أن سددتُ تسعة أقساط تسلمت قرار نقلي إلى معهد الرياض العلمي في يوم السبت 22-5-1391هـ الموافق 23-6-1973م، فأتيت إلى عبد العزيز الجبر؛ لأخبرَه بنقلي إلى الرياض، وأتفاهم معه حول كيفية تسديد بقية الأقساط، فقال: لدينا فرع في الرياض، ويمكنك تسديد بقية الأقساط هناك، وأعطاني العنوان (شركة الجبر التجارية، شارع الملك فيصل ت: 25870 أو شارع الفرزدق ت: 61698)، وسددت جميع الأقساط قبل موعدها، بل سددتُ أربعة أو خمسة أقساط دُفْعة واحدة. وحاولت أن أحظى بتخفيض من الشركة نظير انتظامي في التسديد، فلم أحظ بشيء من ذلك.
تسلمتُ السيارة مساء يوم الخميس 29-7-1392هـ الموافق 1-9-1972م، وبقيت معي عدة سنوات، وبعتها بأقل من نصف ثمنها.
رخصة القيادة:
بعد اقتناء السيارة لم أكن أجيد قيادتها إجادة تامة، فأكملتُ تدريبي عليها. وكان لا بد من الحصول على الرخصة التي تؤهلني نظامياً لقيادة السيارة، فتقدمت بطلب إلى إدارة م ....