د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعاني الدولة من مشكلات هيكلية كبرى وقفت أمام إنشاء منشآت صغيرة ومتوسطة تنهض بالاقتصاد الوطني، وتعتمد غالبية الدول على هذا القطاع وتقدم له الدعم المطلوب لعدة أسباب منها معاناة الدولة من التستر الذي يترافق معه الغش التجاري، لكن بدأت الدولة بعدة إجراءات لمواجهة المشكلة، ولم يعد أمامها خيار خصوصاً بعدما أعلنت عن رؤية المملكة 2030 والتحول الوطني 2020، التي من أهدافها زيادة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي السعودي من نسبة 20 في المائة إلى 35 في المائة، باعتبارها منهجاً وخريطة للعمل الاقتصادي والتنموي في المملكة.
ما يعني أنّ على وزارة العمل مواجهة مشكلاتها بشكل مباشر ودون تأخر، مهما كانت التأثيرات التي ستنتج عن تلك الإجراءات والمواجهة، خصوصاً فيما يتعلق في التغلب على التحديات الحالية في سوق العمل، التي تتلخص في ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين التي وصلت إلى 12.1 في المائة، بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر الانكشاف المهني.
ووفق التحول الوطني 2020 يجب أن ينخفض معدل البطالة إلى 9 في المائة وزيادة نسبة مشاركة المرأة إلى 30 في المائة، التي تعترضها كثير من المعوقات الاجتماعية، مثل التنقل والمسؤوليات الأسرية التي تعترض مشاركتهن بفاعلية في سوق العمل، لذلك يتوقع ارتفاع عمل المرأة في البداية عن بعد الذي يمكن أن يحقق نحو 141 ألف وظيفة بحلول عام 2020، خصوصاً وأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عالميا تمكنت بفضل الإنترنت من تقليل تكاليف نتيجة القيام بالأعمال عبر الحدود، خصوصاً إذا ما كانت منتجات ذات جودة عالية ومتميزة، على الأقل يمكن أن تكون البداية داخل المملكة ودول الخليج.
بدأت الدولة بشطب 50.6 ألف سجل تجاري خلال عام 2016 ونحو 20.8 ألف في الربع الأول من 2017، لكن هناك سجلات جديدة تقدر بنحو 194 ألفاً و411 سجلاً تجارياً جديداً عام 2016، ونحو 53 ألفاً و520 سجلاً تجارياً في الربع الأول من 2017.
ويعطي ارتفاع عدد السجلات مؤشراً على دخول الاقتصاد الوطني مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي والعمل التجاري في اختيار الأعمال الحرة، ويعني التوظيف الذاتي بديلاً عن توظيف الدولة وهي تدخل مرحلة توليد الوظائف الاختياري.
وإن كانت طبيعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية لا زالت تعمل في مجالات تختلف عن المجالات في الولايات المتحدة وأوربا، التي ترتبط أكثر بالمجالات التكنولوجية والمصرفية والتمويل والاختراعات، وليس فقط في مجال الخدمات وبيع السلع الاستهلاكية كما هو في السعودية.
ما يعني أن التوجهات الجديدة في الرؤية، يجب أن ترتبط تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة باستراتيجية الشراكات الجديدة، التي تنوي الدولة الدخول فيها مع شراكات عالمية لتقوية القطاع الخاص، خصوصاً وأن الشركات العالمية لديها أفكار تسويقية وتقنيات متقدمة وكل ما يؤدي إلى استمرار عمل تلك المنشآت ونجاحها وتحقيق أهدافها التي تنعكس مباشرة على الاقتصاد والتنمية.
بل يمكن أن تتحول تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى شركات كبرى تمتلك الخبرة والقدرة على التوسع، لكن الاحتكار من قِبل الشركات الكبرى، حيث تبلغ المنشآت الصغيرة والمتوسطة نسبة 78 في المائة من إجمالي المنشآت الخليجية التي لم تستفد من النمو الاقتصادي في الفترة الماضية رغم كثرة المشاريع الحكومية والأهلية، وضعف التمويل، يخرجان 40 في المائة من المنشآت الصغيرة الخليجية من السوق ( الاقتصادية - 24 /3 /2017 ).
والأزمة الأخرى في التمويل، ففي أمريكا وأوربا هناك جهات تمويلية خاصة بتلك المنشآت تحصل على التمويل بأسعار فوائد منافسة، لكن يمكن للمصارف الإسلامية الدخول في شراكات مع تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفق أدوات الصيرفة الإسلامية، كمنتج السلم وغيره من أدوات تقدمها تلك المصارف لتقليل المخاطر المرتفعة التي تخشاها البنوك التمويلية، لأنّ نقص الدعم المالي قد يعجل في خسائر تلك الشركات وبالتالي خروجها من السوق.
اشتراط إدارة الاستقدام عرض الوظائف على المواطنين قبل الاستقدام لن تنجح، لكن التوجه نحو قصر قطاعات وأعمال على السعوديين قد تكون أنجح مثل قصر المولات المغلقة على السعوديين وتطبيق القرار بشكل تدريجي، وبإعطاء مهلة كافية قد تكون أحد الحلول الناجعة، ومنع الاستقدام في أعمال تتوفر في السعوديين، هي أنجع وأفضل من اشتراط إدارة الاستقدام عرض الوظائف على المواطنين، وهي تعتبر خطوة غير فعّالة يمكن تفتح الباب أمام الاحتيال، لأن القطاع الخاص لم يتعود حتى الآن على توظيف المواطن السعودي بل يعتبره عقبة أمام الإنتاج إذا لم تكن هناك شراكة بين الأطراف السعودية، يتلقون تدريبات مهنية عالية على كيفية الشراكة والعمل وفق قيود مؤسسية تكون قابلة للانتقال إلى عمل آخر، دون أن يؤثر على الشركاء أو ينتهي بنقض المنشآت.
هناك تجربة تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية رغم الجدل الذي دار حولها قبل سنوات عند تنفيذ القرار، لكن تلاشت بعدها المخاوف حتى أصبح الأمر واقعاً ومقبولاً، وقرار قصر الوظائف في المولات المغلقة على الشباب والشابات السعوديين سبقه ارتفاع نسبة السعوديين في تلك المولات، ما يعني أن القرار جاء مكملاً ولم يكن مفاجئاً.
رغم ذلك مثل تلك القرارات قابلة للمراجعة حسب المصلحة العامة، ويبدو أن وزارة العمل أقدمت على تلك الخطوة بعد الخطوة التي سبقت وزارة العمل من قِبل أمير منطقة القصيم الذي أصدر قراراً بقصر الأعمال في المولات المغلقة على الشباب والشابات السعوديين بالتفاهم مع وزارة العمل، مما شجع وزارة العمل على الاقتداء بتلك الخطوة التي اعتبرتها تجربة لافتة، خصوصاً وأن الدولة عندما وجدت أن البطالة بين السعوديين ارتفعت في الربع الرابع من عام 2016 إلى 12.3 في المائة مقارنة بالربع الثالث من نفس العام، ما يعني أن برنامج نطاقات لم يتمكن من تحقيق أهداف الدولة من خفض نسبة البطالة إلى 9 في المائة، فيما هي ارتفعت كما هي تريد رفع مساهمة المرأة إلى 28 في المائة بحلول عام 2020، وقد كلفت البطالة الدولة، حيث بلغ عدد إجمالي حافز 258 ألفاً 78 منهم فتيات ( الاقتصادية، 9 /3 /2017 ).
هذا إلى جانب ربط وزارة العمل بين 7 جهات حكومية، وخاصة لرفع تشغيل الشباب والشابات في القطاع الصحي الخاص، وهو ما يعني القضاء على الظواهر السلبية في المنشآت الصحية حول المملكة مثل التوظيف الوهمي وتشغيل العمالة المخالفة أو تشغيل الكفاءات غير المؤهلة، وهي تعتبر مهلة ذهبية أمام المالكين والمستثمرين في القطاع لتعديل أوضاعهم واستقطاب أكبر قدر ممكن من العمالة الوطنية.
ما يعني نحن أمام خلق سوق عمالة وطنية تنافسية مستقبلاً بعدما كانت العمالة غير السعودية تنافس العمالة الوطنية ومنعتها من حقها الطبيعي في التوظيف، ويمكن أن تتجه الدولة نحو الإبقاء على نسب محددة لكفاءات غير متوفرة في العمالة الوطنية أو لإيجاد خبرات متنوعة يحتاجها القطاع الصحي.
التوطين القطاعي يحصر المهن الحاسمة في الأنشطة الاقتصادية من أجل التغلب على 68 في المائة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مدارة من قِبل وافدين، خصوصاً نتيجة الانكشاف المهني الذي مكن العمالة الوافدة من السيطرة على المهن الحرجة في الأنشطة والقطاعات، من خلال الاعتماد على ممكنات منظومة العمل والتنمية الاجتماعية والجهات الحكومية والقطاع الخاص والتوطين الموجه، يهدف إلى مساهمة الكوادر الوطنية في سوق العمل عبر إتاحة مليون ومائتي فرصة عمل عبر محاور أربعة هي التوطين القطاعي والمناطقي والحصري والنوعي، مع حصر الفرص الوظيفية الحرجة والحاسمة التي تساهم في استمرارية النشاط الاقتصادي، ورفع المواءمة بين العرض والطلب والتركيز على مهمة التدريب، مع التركيز في نفس الوقت على المشاريع التشاركية التي يمكن أن يرعاها رجال أعمال وطنيون، والتي تبلغ ثروات 2043 ثرياً نحو 7.67 تريليون ريال ضمن قائمة فوربس العالمية لأثرياء عام 2017.
الشركات الناشئة باعتبارها الحل الجديد لصنع الوظائف، ويجب أن تكون هناك خريطة لاستقطاب المستثمرين، خصوصاً وأن هناك اهتماماً لدى الشركات العالمية لفتح فروع لها في السوق السعودية، تضم شركات صغيرة ومتوسطة للشراكة مع شركات في السعودية، تضاف إلى الـ 700 مليار ريال رؤوس أموال وتمويلات 8 آلاف مستثمر أجنبي في السعودية في قطاعات مختلفة بينها تقنية معلومات والمقاولات والخدمات.
ومن المهم إصدار أنظمة تكفل حقوق المستثمر سواء السعودي أو الأجنبي، حتى تتمكن الدولة من محاصرة التستر التجاري من خلال مراقبة حركة الأموال ما بين الموردين ومنافذ البيع، ولا يمكن أن تبقى السعودية الرابعة عالمياً في استقبال الوافدين بنحو 11.6 مليون حسب مصلحة الإحصاءات، بل يجب ترشيد هذا العدد يتواءم مع حاجة الاقتصاد الوطني.