خالد بن حمد المالك
قطر دولة ولا كل الدول، فليس هناك من دولة تنافسها أو تماثلها في الدفاع عن سيادتها، بالمفهوم السيادي القطري الذي تتحدث عنه، وكأن العالم جاهلٌ وغبيٌّ، وليس على علم بسوق قطر المفتوح لمن يريد أن يشتري سيادتها بأرخص الأثمان، وبالعروض التي لا تخطر على البال!!.
* *
السيادة مفهومها لدى قطر شيء، وعند الدول الأخرى شيء آخر، هي تراها في تفريطها وتدعي شيئا عكس ذلك، والآخرون يرونها بالتمسك بها وليسوا بحاجة إلى كلام ممجوج عنها، هي تتحدث من منطلق الارتباك والخوف وعدم الثقة، وهم ليسوا بحاجة إلى التأكيد على ما هو مؤكد، فنحن إذاً أمام مفهومين: أحدهما قطري تنفرد به هذه الدويلة الصغيرة، والثاني دولي تشترك فيه وتتفق عليه جميع دول العالم.
* *
لا أدري كيف مُرِّر على شيوخ قطر، أن عدم القبول بشروط الدول الأربع لإعادة العلاقات يدخل ضمن السيادة الوطنية، وأن قطر إنما تفرط بسيادتها فيما لو استجابت لتنفيذ طلبات المجموعة الرباعية، مع أنه كان بمقدور الدوحة أن تلبي هذه الطلبات ولو على غرار ماهو مسموح لغيرها من الدول والمنظمات والأفراد الذين عبثوا بسيادتها، ولم يُحرَّم عليهم أي شيء يمس كرامة السيادة الوطنية لقطر.
* *
لو فعلت قطر مع الدول الأربع ما يرضيها، ويرفع العتب الشديد منهم عليها، ولو من باب المساواة مع الأبعدين كونهم هم الأقرب إليها لزال ما في الخواطر، فمطالب الدول الأربع تنحصر في منع الإرهاب القطري من الوصول إلى البيوت التي تحب قطر وتخاف عليها، بينما هي وفي ذات السياق تلحق أبلغ الضرر بهذه الدول، بما لا تسامح ولا قبول بمثل هذا السلوك من قطر.
* *
نحن إذاً، كما لو كنا نلعب مع دولة قطر مباراة سياسية وأمنية في ميدان تمثل فيه قطر، تركيا وإيران وخليط من الإرهابيين، في مواجهة الدول الأربع التي تتركز أهدافها على تسجيل أكبر هزيمة بعدد كبير من الأهداف في مرمى فريق الإرهاب، ضمن حماية مرماها من العمليات الإرهابية التي تقودها قطر نيابة عن الآخرين من نصف ملعبها، دون أن تستسلم رغم خسارتها الفادحة بقطع العلاقات معها.
* *
هذه الصورة التخيلية لعلاقة قطر الخليجية والعربية، والأخرى مع عدوها وعدونا، هي محصلة التطورات المتسارعة في الأزمة القطرية مع جيرانها وأشقائها، فقطر لا تريد أن تتخلى عن عبثها ومؤامراتها، ولا أن تفك علاقاتها وارتباطاتها مع من وضعها من الأعداء على صفيح ساخن مع محبيها، في عناد ينم عن مكابرة وجهل وعدم القدرة على معرفة ما تلقيه هذه المواقف المشبوهة من عبء كبير على قطر.
* *
على أن التحجج بالسيادة الوطنية، وحمايتها من الاختراق، وعدم القبول بالتنازل عنها بدعوى أنها دولة مستقلة، لا يستقيم ذلك مع وجود قاعدتين أمريكية وتركية، وعناصر استخباراتية إيرانية، ومنظمات إرهابية كالإخوان المسلمين وحزب الله، وأفراد على شاكلة عزمي بشارة والقرضاوي وغيرهما، وكذلك مع وجود قناة الجزيرة التي تتبنى الصوت الإرهابي القطري الكريه، إلا أن تكون دولة قطر تفهم السيادة الوطنية ضمن مفهوم الإرهابيين لها، كما فعلوا ويفعلون في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر ولبنان وغيرها.
* *
نحن نختلف مع قطر؛ لأننا نرى أنها فرطت بسيادتها بأكثر مما فعلته أي دولة أخرى في العالم، ونختلف معها لأننا نرى في الدوحة خطراً علينا بعد استباحتها من جميع قوى الشر والتطرف والإرهاب، ونخاف عليها لأن شيوخها قد غُرّر بهم، فسلموا أمر الدولة لهؤلاء، وأصبحوا هم الحكام، فيما أن الحكام أصبحوا هم المحكومين، وإن بدوا ظاهرياً وشكلياً هم أمراء الدولة القطرية، وهذا من باب إنجاح المخطط في هيمنة الأعداء على القرار في دولنا واحدة بعد الأخرى، ولكن هيهات أن تتحقق لهم أطماعهم وفينا عرق ينبض.
* *
لا نريد من مفهوم السيادة الوطنية المغلوط ومثله الصحيح أن يشغلنا عن الوضع في دولة قطر، فهي على حجم ما لحق بها من أضرار مع قطع العلاقات معها، لا تزال تكابر، وتتحدث عن عدم تأثير ذلك على وضعها الاقتصادي وحرية التنقل بينها وبين دول العالم، والأكثر من ذلك غرابة أن تقول بهذا، فيما أنها تتحدث بما يناقضه بالقول إنها محاصرة من الدول الخليجية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، في مخالفة قانونية -كما تزعم- للقانون- الدولي.
* *
وأمام كل هذه الأقاويل والتناقضات والبكائيات القطرية، فهي لا تقبل بأي وساطة بما فيها الوساطات الدولية، إذا كان ينتج عنها القبول بمنع إيواء وتمويل الإرهاب، وتصر على مواقفها في عناد لا يمر على حكماء وعقلاء قطريين ليفكوا شفرة الوصول إلى حلول واقعية تنقذ قطر من أزمتها، وتطمئن الدول التي مسها الجنون القطري على مدى عشرين عاماً بأبلغ الأضرار من أنها ستتعافى من هذه الأضرار، وأنها لن تتكرر.
* *
ودولة قطر مرشحة -كما يبدو- للقيام بمزيد من المواقف السلبية المتصلبة، مع أنه ليس من ضرر سوف يلحق أي دولة من أشقائها بأي موقف جديد لقطر، إذ إن المتضرر الأول والوحيد هي قطر نفسها، فلا تركيا ولا إيران ولا غير هاتين الدولتين سوف يحمونها من التأثير السلبي على علاقاتها مع دول مجلس التعاون ومصر، ولن يكونا تعويضاً لها عن ابتعادها عن محيطها الخليجي، وعزلتها عن مجتمعها، وخاصة إذا ما طال بها الغياب عنهم.
* *
ربما وضمن الاستفزاز القطري لأشقائها أن تطالب الدوحة إيران بوضع قاعدة عسكرية لها في قطر هي الأخرى، وأن تتوسع في إيوائها للإرهابيين، بدخول منظمات وأفراد جدد إلى الساحة القطرية المشرعة أبوابها لكل منبوذ، وعلى نفس الخط السياسي لا نستبعد فتح المجال أمام التجنيس بأكثر مما يتم الآن، وكلها بنظرنا إنما تستفز المواطن القطري لا الدول التي قطعت علاقتها مع قطر؛ دعماً للاستقرار في منطقتنا والحد من التهور القطري في دعم الإرهاب.
* *
وعودة إلى بيع السيادة القطرية بمزاد أو دون مزاد، فقد فتحت الدوحة كل الأبواب لمن يريد ويرغب، وما تبقى من أرض ومساحات أصبحت محدودة أمام الاندفاع غير المنظم للتواجد في قطر، فالتسهيلات مغرية، وكرم الضيافة بلا حدود، والأهداف والشروط أن تؤذي الجار وتخلق الفوضى في دول المنطقة، ولن يكون من ضمن الشروط المحافظة على سيادة قطر، فمن تتوافر فيه الشروط فسوف يباح له أن يفعل ما يريد طالما أنه يحقق هدف أعداء دولنا وشعوبنا.
* *
باختصار، هل قطر مهيأة لتكون قطعة استعمارية في أرض خليجية، أم أنها هي هذه الأرض منذ عشرين عاماً، وتم ذلك لها بالتدرج والخيانة والحقد والكراهية، وانتهى بها المطاف لتكون كما نراها الآن دولة معادية في ثوب عربي خليجي، بعد أن باعت قرارها المستقل، وإرادتها الحرة، وأرضها التي كانت عصية على الأعداء قبل انقلاب الابن على أبيه.