فضل بن سعد البوعينين
تصدر ملف تمويل الإرهاب الشق المالي من مباحثات «مجموعة العشرين»؛ التي تركز بشكل دائم على تحقيق الاستقرار المالي؛ وحماية القطاعات المالية من الأزمات؛ وتحصينها من عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وما ينتج عنها من تداعيات خطيرة على المصارف والقطاعات المالية. وعلى الرغم من أهمية ملف «دعم وتمويل الإرهاب» إلا أن حجم التركيز عليه يخضع لتوجهات زعماء الدول المشاركة؛ وأولوياتهم وفق أجندة شاملة تدعم أهدافهم الرئيسة؛ وإن همشت بعض الملفات الأخرى ذات الأهمية للمجتمع الدولي؛ وهو ما يفسر تركيز القادة على ملفي التجارة الدولية والتغير المناخي، في اجتماعات القمة التي اختتمت أعمالها في هامبورج السبت الماضي.
حظي ملف الإرهاب على إجماع القادة؛ وتضمن البيان الختامي عدة نقاط مهمة لمواجهته، ومنها التأكيد على أن «الإرهاب آفة عالمية يجب محاربتها، ويجب القضاء على أي ملاذ للإرهابيين حول العالم»؛ إضافة إلى الالتزام بـ»معالجة جميع مصادر، وتقنيات، وقنوات تمويل الإرهاب».
تشديد «قمة العشرين» على أهمية مكافحة الإرهاب وتمويله؛ وإصدار إعلان مشترك يتضمن 21 نقطة؛ لم يسهم في تسليط الضوء بشكل أكبر على الدول الراعية للإرهاب والحاضنة لقياداته والممولة لعملياته القذرة؛ واتخاذ خطوات عملية لمواجهتها. قد يكون لطبيعة المؤتمر والتحفظات الدبلوماسية والقانونية تأثير على مخرجات القمة وبيانها الختامي؛ إلا أن العموميات اللفظية قد لا تسهم في معالجة مخاطر الإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار الدول ويؤثر سلبًا في النمو العالمي والقطاعات المالية. تعزيز قمة العشرين لدور «مجموعة العمل المالية»؛ ودعمها لتحقيق أهدافها الرقابية ذات العلاقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب أمر غاية في الأهمية؛ إلا أن عمل المجموعة ربما خضع لتوجهات سياسية واستخباراتية أثرت سلبًا في مخرجاتها؛ وتوصياتها النهائية؛ وهذا ما يفسر تغافلها عن عمليات منظمة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب نفذتها بعض دول المنطقة ومنها إيران وقطر. لا يمكن أن تمر عمليات تمويل تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة وحزب الله والحشد الشعبي ومنظمات إرهابية أخرى في المنطقة دون أن تكتشف من قبل الجهات الرقابية الدولية؛ أو مجموعة العمل المالية؛ أو التنظيمات الاستخباراتية العالمية المتغلغلة في الجماعات الإرهابية وأجهزة الدول المستهدفة. يبدو أن التناغم الإستراتيجي بين الجهات الرقابية والاستخباراتية يتسبب دائمًا في تجاهل عمليات تمويل منظمة، أو ربما إضفاء الشرعية عليها تحت غطاء المساعدات الإنسانية والفدى المشبوهة.
قد تكون «مجموعة العشرين» منصة جيدة لمناقشة ملف تمويل الإرهاب ودعم جهود مكافحته؛ إلا أن التركيز عليها بمعزل عن تحريك القضايا الجنائية أمام محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن سيتسبب في إضاعة حقوق الدول المتضررة؛ ويحفز الدول الراعية للإرهاب على الاستمرار في جرائمها المدمرة.
لا بد أن يحرك ملف «تمويل قطر للإرهاب» بشكل عملي وعلمي من جميع الدول المتضررة وفي مقدمها الدول الأربع الداعمة لجهود مكافحة الإرهاب؛ إضافة إلى ليبيا واليمن. رفع القضايا الجنائية على حكومة قطر الحالية؛ والأعضاء السابقين فيها يشكل بداية الطريق الصحيح لردعها وفق القانون الدولي؛ ومعاقبتها على جرائمها السابقة. من حق الدول المتضررة أن تحصل على تعويضات مالية عن خسائرها البشرية والمادية، ومن حق أسر الضحايا أن يحصلوا على تعويضات عادلة من داعمي وممولي الإرهاب؛ ومن حق دول المنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار والتنمية وهو أمر لن يتحقق إلا بتطبيق القانون الدولي على الدول الراعية للإرهاب؛ والمتسببة في زعزعة الأمن والاستقرار؛ وفي مقدمها قطر وإيران.