خالد بن حمد المالك
يوماً بعد آخر يزداد الحصار الحقيقي لقطر، والحصار الذي نعنيه هذه الجرائم القطرية التي تتحدث عنها الوثائق والمستندات مسجلةً أقوى حصار، وتتوالى بشكل يجعل من ليل دولة قطر طويلاً ومزعجاً بكوابيسه وأحلامه، فهي بين أن تتمادى في إنكار ما هو ثابت من جرائم ارتكبتها بحق أشقائها، وبين الاستمرار في مواجهة ذلك بالأكاذيب، والإنفاق على وسائل الإعلام لتحسين صورتها، والتخفيف من ردود الفعل الغاضبة على دعمها وتمويلها للإرهاب.
* *
أمس الأول تم الإفراج عن وثائق اتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي عام 2014، بما لا نحتاج إلى أكثر منهما في إدانة قطر بوصفها دولة مارقة وخائنة، وأنها لا تلتزم بما توافق عليه، وتنكث كل وعد قطعته على نفسها، ففي هاتين الاتفاقيتين اعتراف قطري صريح بدعمها للإرهاب، وموافقة بما معناه على تجنب ذلك في المستقبل، واستعداد للقبول بتنفيذ البنود الثلاثة عشر، التي في مجملها لا تضع أمام الدوحة فرصة لممارسة أي نشاط إرهابي بالتمويل والتحريض والتجنيس والإيواء، وقد نُصَّ على تفاصيلها، وآلية تطبيقها، وما سيترتب على قطر إن هي أخلَّتْ بشيء منها.
* *
ولم يكن غير أمير دولة قطر الشيخ تميم من وقَّع على هذه الالتزامات، وكان توقيعه مطلوباً للضرورة أمام تجارب سابقة لم تكن دولة قطر تتعامل بمصداقية واحترام لما يتم التوافق عليه بينها وبين دول مجلس التعاون، فإذا بأمير قطر يوقع بنفسه على ما يدينه ويعترف بما ووجه به من اتهامات، غير أنه وكعادة شيوخ قطر يتم التوقيع ويمارسون ما يخالفه قبل أن يجف حبره، في ظاهرة لا نجد من ينافس قطر عليها.
* *
الإعلان عن نصِّ الاتفاقيتين وضع حداً للاجتهادات التي تنادي بالصلح والتسامح وعدم دفع قطر إلى ما هو أسوأ، فمثل هذه النصائح كانت حاضرة ما قبل عام 2013 وأُخذ بها، ولم يكن لها من أثر إيجابي، ثم كان التوجه نحو اتفاق مكتوب يلزم قطر بإيقاف دعمها للإرهاب، وهذا حدث عامي 2013م و2014م، لكن شيخ قطر لم يلتزم بشيء مما وافق ووقع عليه. والمطلوب الآن أن نقلب صفحة النصائح والتسامح وإعطاء المزيد من الوقت والكثير من الفرص لقطر، ونفتح صفحة تلزمها بتطبيق البنود الثلاثة عشر التي نسخت ما قبلها من اتفاقيات، وإن كانت تحمل روحها لا نصها، فهذا هو الإجراء الذي به تستطيع دولنا وشعوبنا أن تنعم بالأمن والاستقرار كباقي دول العالم.
* *
لقد تعهد شيخ قطر بعدم تقديم الدعم المعنوي والتمويل المالي للمنظمات والتنظيمات والأحزاب والمؤسسات الخارجية المعادية، وكذلك عدم دعم أي جهات وتيارات تمثل خطورة على دول المجلس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مجموعة الإخوان المسلمين، وذلك بعدم دعمهم مادياً وإعلامياً سواء في دول المجلس أو خارجه، مع الالتزام بخروجهم من دول المجلس إذا كانوا من غير المواطنين، وعدم دعم المجموعات والجماعات التي تهدد أمن دولنا المتواجدة في اليمن وسوريا وغيرهما، ومثل ذلك أيضاً القنوات الإعلامية المملوكة أو المدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر بإلزامها بعدم إثارتها مواضيع تسيء إلى أي من دول المجلس، مع عدم إيواء من يقومون بأعمال مناهضة لدول مجلس التعاون، وكذلك إغلاق أي أكاديميات أو مؤسسات أو مراكز تسعى إلى تدريب وتأهيل أفراد أمن دول المجلس للعمل ضد دولهم.
* *
وجاء في الاتفاق مع أمير دولة قطر عام 2013 المؤكد بتوقيعه إلزامه بعدم التدخل في شؤون دول المجلس، وفي التفاصيل عدم دعم الفئات المعارضة، أو استقبال وتشجيع وإيواء ودعم هؤلاء، أو جعل الدولة منطلقاً لأنشطة مواطني دول المجلس أو غيرهم، وعدم السماح للمنظمات والأحزاب الخارجية التي تستهدف دول مجلس التعاون وشعوبها من إيجاد موطئ قدم لها في الدولة، وجعلها منطلقاً لأنشطتها المعادية لدولنا، وكان التجنيس حاضراً ضمن بنود الاتفاق، ونصَّ على منع إيواء وتجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، ويشمل الاتفاق أيضاً عدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، وكذلك الإعلام المعادي.
* *
وفي بيان مشترك للدول الأربع المملكة والإمارات والبحرين ومصر حول الوثائق التي نشرتها شبكة (سي.آي.إن) العالمية، وشملت اتفاق الرياض (2013) وآلية التنفيذ، واتفاق الرياض التكميلي (2014) أنها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عن تهرب قطر من الوفاء بالتزاماتها، وانتهاكاتها ونكثها الكامل لما تعهدت به. وجاء في البيان أيضاً تأكيد الدول الأربع على أن المطالب الثلاثة عشر التي قدمت للحكومة القطرية كانت للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها السابقة، وأن المطالب بالأصل هي التي ذُكرت في اتفاق الرياض وآليته، والاتفاق التكميلي، وأنها متوافقة بشكل كامل مع روح ما تم الاتفاق عليه.
* *
أي أن إعلان اتفاق عام 2013 والاتفاق التكميلي عام 2014 متوافقان مع روح المطالب الثلاثة عشر، التي رفضتها قطر، بينما وافقت على اتفاقي 2013 و2014 مما يظهر التناقض القطري، والهروب من التزاماتها، والإصرار على الإضرار بدولنا، وعدم استعدادها للقبول بأي وساطة يحول بينها وبين استمرارها في تطرفها وممارستها للإرهاب ضد جيرانها وأشقائها، ما سيجعل من الحل أمراً مستبعداً في الوقت الحاضر، لكنه مع المقاطعة لن تجد قطر من حل لفك أزمتها إلا بالرجوع إلى أشقائها، والتنازل عن كل أعمالها الإرهابية، وهو ما يعني أن تجاوبها من الآن أفضل لها وأقل ضرراً مما لو استمرت لشهور أو سنوات قادمة، فلعل شيوخ قطر يحتكمون إلى عقولهم، ويراجعوا مواقفهم، بعد كل هذا الذي حدث، ويفكروا جيداً بما هو أفضل لقطر: هل أن تكون مع صديقها أو مع عدوها، وتأخذ الخيار الأفضل لها، وترجحه على غيره، وهذا هو ما نتمناه لها.
* *
لأن معالجة أزمة قطر لا تتم بالمواقف المتصلبة عن جهل، وبأسلوب العنتريات المفتعلة لإظهار قوة غير موجودة، وليس هناك من خيار لقطر أفضل من أن تعيد قراءة طلبات الدول الأربع ما هو قديم منها أو جديد، وتظهر حسن النية، والشعور بالمسؤولية، وتزيل كل أسباب إزعاجها لأشقائها، وأن تنظر إلى مطالبهم على أنها حق لهم وحقوق عليها، وبالكلمة الطيبة تذوب الكثير من الأسباب التي اضطرت الدول الأربع إلى قطع علاقاتها، وخاصة إذا اقترن ذلك بالتزام قطري حقيقي في تجنب كل ما يغضب الشقيق والجار، بالفعل والعمل، لا بالقول والكذب والنفاق، وهو ما تبرأ دولة تحترم نفسها أن تقوم به، فكيف بقطر أن تقبل لنفسها أن تكون بهذا الموقف، فتشكل سلاح العدو لطعن أشقائها، على طريقة أعين وأعاون طالما أن ذلك يمس مصالح الدول الشقيقة.
* *
لقد كان فتح ملف وثائق الاتفاقيات السابقة لتحجيم الإرهاب القطري، بالتفاصيل التي أُعلن عنها، وبالموافقة الخطية لشيخ قطر، وبالحضور الخليجي الداعم والمؤيد والشاهد لاستجابة قطر في الامتناع عن دعم الإرهاب، ثم بيان الرباعية الذي أوضح بأن البنود الثلاثة عشر التي كانت شرطاً لإعادة العلاقات مع قطر، إنما هي روح اتفاقيتي عام 2013م وعام 2014م، بمعنى أن ما هو مطلوب من قطر هو الالتزام بالطلبات الجديدة على ما سبق وأن وقعت عليه، لكي تزول أسباب الجفوة، وقطع العلاقات، والحوار بينها وبين الدول الأربع، وما عدا ذلك، فليس هناك من حلول لها أي قبول، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى أي تنازلات قد تطالب بها قطر، وعليه ومن مصلحة الدوحة أن تتجاوب مع هذه الطلبات، وتؤكد تخليها عن الإرهاب، واستعدادها لقبول كل ما ترفضه الآن، فهذا خير لها من أن تقبل به فيما بعد.