د. فوزية البكر
يروي الأطباء والمراسلون العالمييون قصصًا مروعة حول الثمن الإنساني الباهظ الذي دفعه أهالي الموصل ومدينتهم لتحريرها من أيدي الإرهابيين من مقاتلي تنظيم داعش، مئات الآلاف من المدنيين والأطفال والنساء والصبية الذين فقدوا عائلاتهم ولحقوا بمن فر هاربًا ليصلوا إلى المستشفيات بإصابات بالغة وبعد تجويع مريع استمر لأشهر لم يقتاتوا خلالها إلا القليل من الخبز الحاف والمياه الملوثة. سلعة بسيطة مثل كيلو سكر كانت تباع بما يوازي مائة دولار في مدينة أرهقها الحصار والتجويع ولم يعد هناك من خيار أمام الأهالي الذين استخدمهم الإرهابيون كدروع بشرية إلا واحد من أمرين سيئين: إما الخضوع للإرهابيين وتلقي ضربات الجيش العراقي أو محاولة الفرار من المدينة المحاصرة وتلقي طلقات قناصة التنظيم المجرم حيث يعاني آلاف من الأطفال والمدنيين من إصابات بالغة في الظهر.
المدينة تقريبا دمرت عن بكرة أبيها والأسئلة الكثيرة التي تهمنا هنا وتهم العالم كله هي من قبيل:
هل استعادة الموصل يعني نهاية التنظيم؟ أم هو فقط استراحة محارب حتى يجد التنظيم بقعًا أخرى من الشرق الأوسط ينشط فيها؟
ماذا سيحدث لسكان المدينة؟كيف سيعودون إلى مدينة ستحتاج على الأقل إلى أكثر من مائة مليار دولار لإعادة الإعمار؟ فأين ستأتي الأمم المتحدة بهذا المبلغ؟ إن عدم إعادة إعمار المدينة يعني ببساطة حروبا قادمة.
كيف يمكن إعادة لم شمل الأطياف المختلفة من سكان المدينة: سنة وشيعة وأكراد وما هي برامج الوفاق التي سيدعمها العالم لإعادة تأهيل السكان بعد فترة مروعة قضوها تحت نيران الإرهاب؟
ستكون هناك آثار شخصية مدمرة لكل من فقد أبا أو طفلا أو زوجة.. إلخ؟ كيف يمكن تقديم المساعدة العقلية والنفسية لهم لاستعادة حياتهم وإعادة إعمار أنفسهم؟
هل فعلًا خرج جميع مقاتلوا التنظيم؟ أم أنهم تخفوا بين سكان المدينة لإعادة تنظيم صفوفهم لاحقا؟
ماذا حدث لعقول الشباب والصغار رجالًا ونساء ممن تبنوا أفكار التنظيم نتيجة لغسيل الأدمغة الذي تعرضوا له وقت الاحتلال؟
من يستطيع أن يتنبأ بالذئاب المنفردة التي ربما تخرج ليس فقط لنا بل في كل أنحاء العالم بعد ثلاث سنوات متواصلة من احتلال الموصل؟
كان لدى التنظيم أثناء احتلاله للموصل نظام مؤسساتي تدار من خلاله الدولة وتمكن من دعم جيوب أخرى للتنظيم لا زال يسيطر عليها في بعض مناطق العراق وسوريا فأين ستذهب كل هذه الكوادر؟
تذكر دراسة نشرتها النيويورك تايمز أن التنظيم تمكن من خلق متعاطفين معه بل وربما أتباعًا في كثير من بلدان العالم مثل مصر ونيجريا وليبيا واليمن وغيرها فماذا ستفعل هذه الدول تجاه هؤلاء الأتباع والمتعاطفين وذلك لحصار التنظيم وخنقه؟
تجد المنظمات الإرهابية آذانا صاغية من الشباب المحروم غير المتعلم ومن يشعر بأنه مظلوم ومحروم من أن يبني حياة كريمة وإذا كانت هذه هي بعض أسباب التعاطف مع تنظيم إجرامي وفاشي بهذا الشكل فهل هناك خطة واضحة في العراق وسوريا وغيرها لإرساء نظم اجتماعية وسياسية أكثر عدالة وديمقراطية؟ ومن سيدفع بذلك؟ الولايات المتحدة التي تسببت في ظهور التنظيم بعد الغزو الجائر للعراق 2003 أم الحكومات المحلية التي تعيش على أتون إشعال نيران الطائفية؟ أم أوروبا أم دول الجوار أم؟
يعيش الشرق الأوسط ليلاً حالكًا منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 وها هي مناطقنا تغلي غلوًا مثل حراراة أراضينا هذه الأيام لكن لا وجود لحلول سريعة لإطفاء الحرائق الفعلية والسياسية والثقافية إلا بالتركيز على التنمية ونشر أسباب السعادة، الإحباط والشعور بالغبن يشكل حافزًا رئيسًا للشباب للالتحاق بهذه التنظيمات المتطرفة، لا بد من إيجاد معنى للحياة لدى الشباب حتى يتوقفوا عن الالتحاق بالموت.
هذا هو طريقنا للخلاص من حبل المشنقة الذي يزداد التفافًا حول أعناقنا مع كل اضطراب يصيب المنطقة التي لا يبدو أنها تود أن تهدأ لكن لعل خوف العالم على نفسه من ظهور ذئاب منفردة مستقبلًا سيجعله يساهم مرغمًا في طرح الحلول وتقديم المساعدات على اختلافها للإجابة على بعض الأسئلة المطروحة.