د.علي القرني
الحرب الذي تقودها قطر في المرحلة الحالية هي حرب إشاعات، وتتسيد قناة الجزيرة هذا التوجه الكبير، بحكم منظومتها الإعلامية ذات الانتشار الواسع في مختلف مناطق العالم، وقد استثمرت قناة الجزيرة هذه الإمكانات بسرعة بث إشاعات سوداء عن دول الخليج المقاطعة لقطر وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، إضافة إلى الدول المؤيدة لهذا التحالف، واقترح هنا أن تكون تسمية هذا الدول بخصوص وضعية قطر (تحالف الدول المناهضة لقطر في دعمها للإرهاب)، بدلاً من الدول المقاطعة لقطر.
وتعمل قناة الجزيرة باحترافية واسعة على صناعة مفهوم جديد للإشاعة في المجال الإعلامي، من دون تردد وبدون ممارسة أي من القواعد المهنية للإعلام. واستطاعت قناة الجزيرة تحويل مفهوم «الرأي والرأي الآخر» إلى مفهوم جديد هو سلطة «الصوت الواحد»، حيث عملت قناة الجزيرة بمنظومتها الإعلامية المساندة لها في تشويه صورة التحالف، واختلاق الأخبار والتصريحات التي تمجد من مواقف قطر وتساندها، وكذلك فبركة أحداث وإعادة صناعتها باضافات معينة لإعادة توجيه الموقف لصالح المواقف القطرية.
وقناة الجزيرة هي إحدى الأذرعة التي تعتمدها حكومة قطر منذ تأسيسها، حيث أرادت أن تكون هذه القناة لترويج ونشر فكر معين في الوطن العربي والإسلامي، وأرادت أن تعمل هذه القناة على خلخلة النظام العام والاستقرار في الوطن العربي، وفعلاً نجحت قناة الجزيرة، حيث كانت هي الناطق الإعلامي لدول الربيع العربي، بل لنقل وبكل موضوعية هي المحرض الإعلامي للربيع العربي، وقد تضررت مصر أكثر من أي بلد عربي من قناة الجزيرة منذ أكثر من ست سنوات، حيث إنها بعد فشل حكم الإخوان المسلمين تبنت مواقف الإخوان وتحولت إلى قناة إخوانية بامتياز وإلى هذا اليوم. وقد جمعت في منظومتها خبراء ومستشاريين ومسؤولين عن هذه الحركة للتحدث دائمًا عنها، ولنشر إشاعات وآراء ضد موقف النظام المصري الحالي.
كما أن قناة الجزيرة ربما هي القناة الوحيدة التي كانت ولا تزال تصف داعش الإرهابية بتنظيم الدولة الإسلامية مما يعني أنها داعمة لها في فكرها وفي أعمالها. والكثير من وسائل الإعلام العربية والغربية تسمي هذه المنظمة بداعش تحقيرًا وتصغيرًا لها، بينما قناة الجزيرة تسميها بتنظيم الدولة الإسلامية. ولو أخذنا فقط بالمعيار الإنساني وليس الإسلامي فكان يجب أن تقف الجزيرة موقف متوحشًا من هذه المنظمة المتوحشة، ولكنها رأت - لخلفيات انتثرت أخيرًا - أنها يجب أن تكون في موقف مؤيد ضمنيًا لهذه المنظمة الإرهابية.
لقد انتشرت مؤخرًا وخلال الأسابيع الماضية الكثير من أخبار النفى من وزراء خارجية ومن منظمات دولية ومن شخصيات سياسية وجميعها تنفى ما نشرته قناة الجزيرة، مما يعني أن هذه القناة تتعمد اختلاق وفبركة التصريحات والمواقف بهدف البحث عن مواقف مؤيدة للنظام القطري. وسبق أن سقطت قناة الجزيرة في أكثر من موقف، ولكن سقوطها الحالي هو أكبر سقطة مهنية في تاريخها الإعلامي. وترويجها الحالي بأنها قناة تبحث عن حرية الصحافة، يجب أن يكون شعارًا زائفًا لها، فهو مجرد ادعاء باطل، تبطله المواقف الحقيقية لقناة الجزيرة من كثير من القضايا والأحداث العربية والدولية. ولا شك أن مبدأ الموضوعية والحياد ليس إلا شعارًا وظفته القناة خلال السنوات الماضية في مواقف معينة، ولكننا نعلم تمامًا أن هناك خطوطًا حمراء لهذه القناة يتحطم دونها أي موضوع أو قضية ضد مصالح دولة قطر أو حكومتها أو أشخاص محددين في هذه الحكومة.