ياسر صالح البهيجان
أتى اتفاق الرياض 2014 واضحًا في بنوده، ومؤسسًا لمرحلة جديدة، من الضروري أن تلتزم بنهجها الدول الخليجية كافة لمواجهة التحديات الخارجية. جاء على خلفية سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها في قطر، بعد أن ثبت لحكومات تلك الدول حجم عبث الدوحة في أمن واستقرار أشقائها، وإخلالها بما ينص عليه ميثاق مجلس التعاون الخليجي.
بعد تلك الأزمة حضر أمير قطر تميم إلى الرياض لإتمام والوساطة الخليجية بقيادة أمير الكويت الشيخ صباح. حينها أكد الملك عبدالله - رحمه الله - أهمية تدوين المطالب، وعدم جعلها شفهية؛ لكي تمثل مستندًا ملزمًا للدوحة في حال أخلت بما اتفق عليه جميع الأطراف. وكانت رؤية صائبة من الملك - غفر الله له -، وقد كان مدركًا لطبيعة السياسة القطرية، وتاريخها الحافل بالمراوغات والالتفاف على الاتفاقيات.
الدوحة هدأت من وتيرة دعمها للتطرف والإرهاب بعد تلك الاتفاقية، وغيّرت قليلاً من سياسة قنواتها الإعلامية، واتجهت إلى تدشين قنوات فضائية أخرى في الخارج؛ لتقود نيابة عن قنواتها الرسمية مهمة التحريض والتشويه ضد حكومات الخليج والمنطقة، وفضلت دعم المارقين في أماكن إقامتهم بدلاً من استقطابهم إلى الدوحة، واستمرت في دعم جماعة الإخوان والحوثي وغيرهما من الجماعات المتطرفة عبر وسطاء وجمعيات خيرية، ظنًّا منها أن تلك الحيل ستغيب عن صناع القرار في الدول الخليجية، لكنهم كانوا يقظين بما يكفي لكشف ذلك التوجه العدائي.
الاتفاقية تضمنت في فقرتها الأولى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم أي نشاط يتعارض مع أنظمة الدولة إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، وعدم دعم الإعلام المعادي.
لكن الدوحة لم تلزم بمسألة عدم التدخل في شؤون دول الجوار، وراحت تحرض الأقليات وتمولهم لزعزعة الأمن، ولم تتوقف عن تجنيس عدد ممن لهم مواقف معادية لدولهم، وبعضهم تتكفل قطر بصرف مرتبات شهرية لهم، وتوفير سكن في الخارج لإيوائهم، ولا تكف عن تسريب المعلومات إليهم لاستخدامها ضد الدول، فضلاً عن قنواتها الإعلامية التي استمرت في دعم المتطرفين واستضافتهم لبث أفكارهم التحريضية ضد الأوطان الخليجية.
أما الفقرة الثانية من الاتفاقية فذكرت عدم دعم قطر للإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر، أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.
ولم تلتزم الحكومة القطرية أيضًا بذلك، وهي لا تزال تؤوي مفتي جماعة الإخوان يوسف القرضاوي وعددًا من قيادات الجماعة، إضافة إلى تجنيس عدد كبير منهم، وتوليتهم مناصب عسكرية رفيعة بما يتنافى مع ما تعهد بتنفيذه أمير قطر، علاوة على دعمها وتمويلها جماعات متطرفة في سوريا واليمن وليبيا، في سلوك يمثل خرقًا لاتفاقية الرياض.
وفي آخر فقرات الاتفاقية يأتي عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن، ممن يشكلون خطرًا على الدول المجاورة لليمن.
وثبت كذلك انتهاك الدوحة لهذه الفقرة بتعاونها السري مع جماعة الحوثي المنقلبة على الشرعية، وخيانتها للتحالف الذي تقوده السعودية لإعادة الحكومة المنتخبة ودحر الانقلابيين.
إذن، بماذا التزمت قطر؟ الواقع يؤكد أنها لم تلتزم بكل ما جاء في اتفاقية الرياض، ولم تحترم سيادة الدول وحقها في إدارة شؤونها الداخلية. لا يمكن أن تستمر الدوحة في هذا النهج السياسي السيئ، وتقويم سلوكها ضرورة وليس خيارًا بيد الحكومة القطرية. ولا مجال لمزيد من العبث بأمن المجتمعات الخليجية.