فضل بن سعد البوعينين
تبدأ المشروعات الطموحة بفكرة؛ والبنايات الشاهقة بلبنة؛ وأحسب أن سوق عكاظ هو اللبنة الأولى في مشروع التنمية السياحية في الطائف؛ التي عانت لعقود من بطء الحركة وضعف المشروعات لأسباب بيروقراطية مالية؛ برغم الجهود الكبيرة التي بذلتها إمارة منطقة مكة المكرمة وهيئة السياحة والتراث الوطني.
المكانة التاريخية لسوق عكاظ؛ وموقعه الغني بالآثار؛ ورمزيته للتراث العربي؛ وارتباطه الوثيق بالأنشطة الثقافية والاقتصادية في العصور الماضية تعزز من أهمية العناية بمشروعاته السياحية والثقافية وفق رؤية شمولية تجمع بين التراث والتاريخ والترفيه والثقافه.
إقرار مبادرة «سوق عكاظ» في برنامج التحول الوطني ربما أسهم في إنجازه وفق رؤية هيئة السياحة بعد توفر الميزانيات الكافية؛ وإزالة المعوقات التنظيمية من أمامه. التركيز على تطوير الوجهات السياحية وفق منظومة متكاملة من أهم أدوات النجاح؛ في الوقت الذي تشكل فيه القرى والمدن السياحية قاعدة التنمية السياحية الجاذبة للاستثمارات. لذا يعد مشروع «مدينة عكاظ» المزمع تنفيذه أحد أهم المشروعات الجامعة بين الثقافة والسياحة؛ والتراث الوطني. تعد مدينة عكاظ من المشروعات الرئيسة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للتراث الحضاري، ما يستوجب العمل على إنجازه في فترة زمنية قصيرة.
الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أكَّد أن «سوق عكاظ سيشهد منظومة تطويرية متكاملة إلى جانب الفعاليات المصاحبة، وذلك استكمالاً لمجهودات الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة الذي يقود التطوير لسوق عكاظ». الجمع بين الفعاليات الجاذبة للسياح؛ والمشروعات التطويرية سيسهم بشكل فاعل في تعزيز مكانة الوجهة السياحية واستدامة زيارتها من قبل أهالي المحافظة والزائرين من الخارج.
الأمير سلطان بن سلمان أكَّد أيضًا على «أن الهيئة تسعى في كل المشروعات التي تقوم بها إلى إشراك القطاع الخاص في التنمية إضافة إلى القطاع الحكومي».
التركيز على دور القطاع الخاص في تطوير الوجهات السياحية أمر مهم ولا شك؛ غير أن ضخ الاستثمارات الخاصة يحتاج دائمًا إلى تحفيز من قبل رأس المال الحكومي المعني بتجهيز البنى التحتية واستكمال التشريعات الداعمة للتنمية وجذب الاستثمارات. شراكة الحكومة مع القطاع الخاص من أهم أدوات التنمية السياحية؛ وعلى الرغم من إيمان الهيئة بذلك؛ وحرصها على تفعيل تلك الشراكة؛ إلا أن بطء حركة الحكومة في القيام بدورها الحيوي في المناطق السياحية يحتاج إلى مراجعة وعلاج يتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030.
ووفق الأرقام الأولية فمن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات الكلية لإنشاء «مدينة عكاظ» 3.7 مليار ريال؛ حيث تبلغ الاستثمارات الحكومية المعتمدة 815 مليون ريال أي ما نسبته 23 في المائة من الاستثمارات الكلية؛ في الوقت الذي سيضخ فيه القطاع الخاص ما يقرب من 1800 مليون ريال. إنفاق ما يقرب من 815 مليون ريال سيسهم في جذب استثمارات القطاع الخاص التي أعتقد أنها ستتجاوز بكثير الأرقام الأولية. اكتمال مشروع المدينة سيحفز المستثمرين على ضخ مزيد من استثماراتهم في مشروعات نوعية داعمة للسياحة ومحققة للعوائد المجزية. اكتمال مدينة عكاظ سيدعم مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي؛ وسيعزز اقتصاد المحافظة؛ وسيسهم بشكل مباشر في خلق الوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة.
ما أتمناه أن يحظى مخطط «مدينة عكاظ» بكثير من العناية والتدقيق؛ وأن يتوافق مع نماذج تخطيط المدن السياحية والثقافية العالمية؛ بحيث نبدأ من حيث انتهى الآخرون. وأن يكون التنفيذ وفق المعايير العالمية في جميع مرافق المدينة وأن يؤخذ في الاعتبار المتغيرات المستقبلية وبخاصة ما ارتبط منها بالترفيه.
التركيز على مساحات عذراء محددة؛ ووضع تصور متكامل لتنميتها وفق أسس ومعايير متوافقة مع الاحتياجات ومتطلبات العصر؛ هو الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف الطموحة في فترات زمنية قصيرة؛ وفق أسلوب استثماري يعتمد المشاركة بين القطاعين العام والخاص؛ وهذا ما تسعى له هيئة السياحة من خلال إنشاء «مدينة عكاظ» المتوقع أن تكون محورًا لتطوير الطائف تنمويًا وسياحيًا واقتصاديًا.