محمد خالد الخنيفر
قد تشهد أسواق الدين السعودية بعد توقف دام تسعة أشهر، طرح أول ديون سيادي بها هذا الشهر، في إشارة إلى ثقة الحكومة بالسيولة المتوفرة بالقطاع المصرفي.
فقد استبشرت أوساط العاملين بصناعة المال الإسلامية خيراً مع إعلان وزير المالية السعودي عن دنو موعد إصدار أول صكوك سيادية بالسوق المحلي هذا الشهر. هذه خطوة «تقدمية» وتندرج ضمن إطار تطوير وزيادة عمق أسواق الدين بالمملكة وذلك في ظل حُقبة الإصلاحات الاقتصادية التي تعيشها المملكة. لعلنا نذكر في هذا السياق أن بلومبرج قد نقلت تصريحاً في مايو لنائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري يقول فيه بأن المملكة تخطط لجمع ما يصل إلى 70 مليار ريال هذه السنة من السوق المحلي.
ويمكن لنا أن نقول أنه سيتم إنشاء برنامج للصكوك المقومة بالريال بحيث يتم طرقه في أي وقت (بغض النظر عن الآجال المتفاوتة للإصدار). ومع ندرة الإصدارات السيادية المقومة بالريال، فأتوقع أن يكون لوزارة المالية مرونة في التسعير مع المستثمرين المحليين بما ينعكس إيجابيا على خزانة الدولة. شخصياً أتمنى استخدام حجة نقص المعروض من الصكوك السيادية عبر ضغط التسعير ليكون داخل منحنى العائد للسندات التقليدية. ونظراً لأوجه الشبه، لعلي هنا أستشهد بتجربة إصدار أول صكوك سيادية للأردن والتي أشرفت عليها في السنة الماضية. حيث كانت تكلفة التمويل من ذلك الإصدار منخفضة مقارنة مع عوائد السندات وكانت البنوك الإسلامية الأردنية هي من اكتتب بها.
نظرة على الإصدارات السيادية بالسوق المحلي
الإصدارات السيادية ليست غريبة عن أسواق الدين السعودية إلا أنها كانت متقطعة ومتباعدة. حيث تقل في فترات تحقيق الفوائض في الميزانية وتكثر عند تحقيق العجز. السعودية أنشأت برنامج سندات مقوم بالريال وبدأت إصداراته ولمدة 16 شهراً منذ يونيو 2015 إلى سبتمبر 2016. وتفاوتت آجال «أدوات الدين» هذه ما بين 5 و7 و10 سنوات. تلك الإصدارات شهدت غياب البنوك الإسلامية من المشاركة بها وتم تقديم منتج المرابحات كبديل (يمكن أن نصفه بالمؤقت) ريثما تجهز البنية التحتية لبرنامج الصكوك المقومة بالريال.
و المرابحات هي عبارة عن أدوات دين تم إصدارها من أجل التسهيل على البنوك الإسلامية شراء الدين السيادي. ولكن من المتعارف عليه في الخليج أن هناك تحفظات شرعية تدور حول تحريم تداول ديون المرابحات بعد إدراجها (بعكس الصكوك وإمكانية التداول بالسوق الثانوي).
مرونة اختيار التوقيت المناسب للاقتراض
نشيد بالتناغم العملي الذي نراه بين مكتب إدارة الدين العام والبنك المركزي (ساما)، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالاستدانة الخارجية أو المحلية (لو تلاحظون، الحكومة توجهت لأسواق الدين الدولية عندما كانت أسعار السايبور محليا مرتفعة. وعندما استقر السايبور تنوي الحكومة استئناف الإصدارات). على العموم الوقت غير مثالي الآن لإصدار سندات دولية وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وكسرها للحاجز النفسي 50 دولاراً وهذا ينعكس بشكل خاص على حركة العائد بأدوات الدين للدول الشرق أوسطية التي تعتمد على النفط. والسايبور (لمن لا يعرفه) هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية لثلاثة أشهر. نحن نستعين بمؤشر السايبور (هنا) لقياس مستوى السيولة بالقطاع المصرفي ومعرفة فإذا ما كانت هناك ضغوطات على السيولة من عدمه. فعندما نتطلع إلى الرسم البياني التاريخي لحركة السايبور فسنجد أنه تاريخياً ولمدة 6 سنوات (منذ 2009) كان المعدل (للثلاث أشهر) أقل من 1 % (وتلك الفترة تتزامن مع ارتفاع أسعار النفط).
وبلغت أسعار السايبور أعلى معدلاتها (في السنتين الأخيرتين) عندما وصلت إلى 2.386 %. بعدها تم الإصدار السيادي للسندات الدولية (17.5 مليار دولار ) وتبع ذلك إجراءات عديدة من ساما من ضمنها تجميد إصدارات السندات بالسوق المحلي. وساهمت تلك الإجراءات في تخفيف احتقان السيولة وعودة الأمور إلى نصابها، بدليل استقرار أسعار السايبور (ولمدة 5 أشهر متوالية) ما بين نطاق 1.70 و 1.78%. هذا يعني أن هناك فائضاً بالسيولة المصرفية القابلة للاستثمار بالدين السيادي. نأخذ في عين الاعتبار أن السايبور قد يستعان به في حالة قررت الحكومة إصدار صكوك ذات «ربح متغير».
مقتطفات
-- البنوك الإسلامية ستكون المستفيد الأكبر من إصدارات الصكوك السيادية القادمة. نتمنى العمل على معالجة فائض السيولة لديها عبر إصدار صكوك قصيرة الأجل (أقل من سنة).
-- لن أستغرب إذا تمت الاستعانة بهيكلة الصكوك الهجينة التي تعد من أبرز الهياكل السائدة بسوق الدين المحلية.
-- متحصلات الإصدار سيتم توظيفها لأغراض متوافقة مع الشريعة مثل ما شاهدنا في نشرة إصدار الصكوك الدولية عندما اُستخدمت تلك المتحصلات لدعم مشاريع البنية التحتية والمشاريع الصناعية الكبيرة وكذلك لدعم الأغراض المتعلقة بالموازنة العامة.
-- بخصوص من يتساءلون عن إمكانية اكتتاب الأفراد بالصكوك السيادية، فنحن ننتظر معرفة آخر مستجدات نتائج اللجنة التي تم تشكيلها بقيادة البنك المركزي ساما والتي من ضمن أهدافها دراسة كيفية قيام الحكومة بتشجيع الادخار في الاقتصاد (وذلك عبر طرح صكوك الأفراد ولكن بفئات صغيرة تُمكن المواطنين من الاكتتاب بها والمساهمة بدفع عجلة التنمية بالبلاد.