د. حمزة السالم
لم نُحسن ترجمة كلمة التمويل finance. فالأصوب ترجمة التمويل finance بكلمة «السلف». فالسلف في السنة لم يأت الا بمعنى التمويل التجاري. كالسلم وحديث الزبير. فالتمويل والبيع الآجل إذا سلف لا قرض. والقرض borrow. فيه تصدق بقيمة الزمن.
والدين debt، ويشمل اي حق في الذمة (الاجل). فيشمل الدين السلف والقرض.
وقد كانت هذه المعاني واضحة في العصر الأول. فالسلف كان لديون التجارة ومنها السلم، كقوله عليه السلام: «من أسلف في شيء فليسلف في شيء معلوم». وكعقد المعاوضة المحضة الذي عقده الزبير، وحرف معناه فقهاء التقليد فيما بعد. فنص حديث الزبير يدل على عقد مشاركة لا عقد قرض. فالزبير يضمن المال وله عوائد الانتفاع منه، فالضمان مقابل الربح كما قال عليه السلام «الخراج بالضمان». وشواهد الحال ووجوب حسن الظن بالزبير حواري رسول الله، من سؤاله صدقة من الناس. فهذه شواهد كلها تدل على أنها مشاركة لا قرض. فلفظ ابنه عبد الله كما في البخاري «إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة».
وأما الدين فهو معنى شامل يدخل كل ما في الذمة للغير تحته. (ومعنى ما في الذمة: أي ما للآخرين من حق عليك متعلق في ذمتك أي في أمانتك بالوفاء به). فالمثمن المؤجل في بيع السلم. وفي بيع التقسيط، وبيع الأجل، كلها ديون مادام الثمن المتبقي في الذمة لم يسدد، وسواء أسماه المعاصرون والمتأخرون دينا أو قرضا أو سلفا، فأحكام الشرع تنظر إليه كدين سلف لا كدين قرض.
وأما ما أخذته من مال من جارك حين كربتك ولجوئك إليه، لحاجة استهلاكية ضرورية، لا توسعية ولا استثمارية، ترجو حق الجوار فاستغل حاجتك الاستهلاكية، فأقرضك مالا او سيارة او جملا فإن القيمة التي في ذمتك، هي دين كذلك ينظر اليها الشرع تنظر كدين قرض لا كدين سلف.
(فليس هناك ربا ديون كما اشتهر عند كثير من الفقهاء، وجعلوه هو الربا الأعظم مطلقا، وهذه مسألة لا محل لها هنا).
وفهم معاني هذه الكلمات امر قد اصبح غاية في الاهمية اليوم، لكي لا يُحكم قضائياً بما قد يكون على خلاف مراد الشارع، فيُظلم الناس، ويفسد الاقتصاد. فالقوانين الوضعية تفرق بين هذه الديون في قضائها، فتسجن المُقترض المماطل ولا تتساهل مع المتمول/ أي المُتسلف، بل قد تحميه إن لم يكن فاسداً مماطلاً. فالقوانين الوضعية تتبع نظام السوق، والسوق من خلق الله ويتبع سنته الكونية. وجاءت التشريعات لتوصلنا إليها وتهدينا لسنة الله، ولكنا ضللنا عنها. فكيف اصبحنا ونحن نعاند سنة الله ونزعم انها من الشرع، واصبح اهل القوانين الوضعية يوافقون سنة الله الكونية في السوق، ويتماشون معها. فلله الأمر من قبل ومن بعد.