في الماضي كانت الشهرة غاية صعبة المنال، ولا ينالها إلا «موهوب» حقيقي، ولا بد له أن «يلف السبع لفات» حتى يجد أخيراً من يؤمن بموهبته ويصقلها ويرعاها ليقدمها إلى الجماهير، فالموهبة «كانت» كل شيء.
نعيش اليوم زمن «الفاشونيستا» و»المهرجون» المستعدون إلى التخلي عن كل المبادئ في سبيل رفع عداد أرقام المتابعين لديهم، و»المهايطيون».
نعيش عصر سناب شات وإنستاقرام والواتس اب (المحادثات الكتابية)، فبهتت المشاعر الحقيقية خلف الشاشات، تحكمنا مجموعات افتراضية نضيف لها من نشاء ومن يغادرها نقلب عليه! فأصبحت علاقاتنا تحكمها عبارتين «فلان أضاف وفلانُ غادر».
نرى اليوم كمُ هائل من الباحثين عن الشهرة دون توفر أدنى مقومٍ لها لديهم! تنطبق على حالهم عبارة «كلوا عاوز يبقى مشهوور»!
ونتيجة لمرور الذوق العام بما أرجو أن يكون ما لا يزيد عن وعكة صحية مؤقتة، أصبحت صناعة اللاشيء معياراً للشهرة دون الموهبة.
فصار التهريج والتفاهة يجتمع لأجلها آلاف المتابعين، دون الأخذ بالاعتبار بمدى الفائدة من ملاحقة هؤلاء، وماذا يقدمون لجيل الشباب؟ وكيف أصبحوا مؤثرين في مفاهيم وقناعات البعض منهم؟
فأصبح «الاستعراض» سبباً كافياً حتى ينهال عليك ملايين المتابعين الصغار، الفضولي منهم، والطفشان، والمحتاج الذي يحمل «هياطكم» عليه ثقل وضيق.
حتى الأطفال نالوا نصيبهم من هذه الشهرة، وإن كانوا على غير دراية كيف ولماذا هم مشهورون!
فحساباتهم تدار في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أحد أفراد أسرهم، والتي مع الأسف غالباً ما يكون أحد الوالدين، دون مراعاةٍ لتبعات هذه الشهرة على نفوس الصغار والتي أصبحوا عليها دون خيارٍ منهم، وكيف سيتعاملون معها مستقبلاً «إذا فرضنا أن شهرتهم استمرت».
وأسفاً يُعرَض هؤلاء الصغار لنقد الجماهير مختلفة الشخصيات، فليس الجميع يراعي أن صاحب الحساب «طفل» لاحول له ولاقوة.
يبدو أن هذه الموجة الجديدة تملكت الكثيرين صغاراً وكباراً فتراهم يتسمرون خلف هواتفهم يتابعون أحداث يوم شخص لا يحمل في جعبته سوى التفاهات، ساعاتٍ وساعات! فيسارعون لامتلاك جديد كل مايعرض عليهم من منتجات دون تدبرٍ ولا اهتمام بحقيقة المنفعة التي يقدمها المنتج أو مدى جودته لمجرد أن أحد المشاهير أنزل به وابلاً من الثناء مستندا ً على تجربته الشخصية، رغم أنه لايخفى على الجميع أن هذه التجربة لا تتعدى كونها إعلاناً مدفوع التكاليف مسبقاً ولا حاجة له للتجربة الفعلية قبل تقديم النصح مادامت المصلحة تفيد الطرفين (المعلن والمشهور).
أصبح من الصعب أن تحادث الآخرين دون أن يشارككم الحوار جهاز الجوال، ومايحمله من أصحاب الشهرة المزعومة، وإن كنت ممن يجهلون أسماء هؤلاء، ستجد نفسك جالساً مع الآخرين مثل «الأطرش بالزفة».
ومما لا شك فيه أن هذه الموجة حولتنا إلى أسرى يقيدنا التعلق بالأجهزة المحمولة وبرامجها، فأصبحنا نعيش اليوم إن صح التعبير، قليلاً من الحياة كثيراً من التكنلوجيا، نفرط في استخدام مواقع «التواصل» الاجتماعي، لكننا في الواقع الحقيقي لا نتواصل.