أ.د.عثمان بن صالح العامر
يُضرب هذا المثل العربي المشهور لمن يقطع على الناس ما هم فيه بأمرٍ مهم يأتي به، وهذا ينطبق تماماً على وثائق اتفاق الرياض الرئيس المبرم في 19 / 1/ 1435هـ التي نشرتها CNN منتصف هذا الأسبوع، الذي كان من بين الموقعين عليه الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، ليس هذا فحسب، بل إن تميمًا وقّع مع بقية قادة دول الخليج على اتفاق الرياض التكميلي المبرم في 23/ 1 / 1436هـ، وبين هذا وذاك وقّع وزير الخارجية القطري معالي الدكتور خالد بن محمد العطية على ما أبرم في 20/ 1 / 1435هـ مؤيداً بصفته الرسمية لا الشخصية ما تم التوصل إليه في اتفاق الرياض الرئيس، ومما جاء في ختام محضر اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الست هذا، ما نصه: «وفي حال عدم الالتزام بهذه الآلية فَلِبقية دول مجلس التعاون اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها».
إن كل إنسان منصف محايد ليس صاحب هوى ولا هو عميل أو أجير أو مؤدلج أو... ليتعجب أشد ما يكون العجب من استمرار خرق الشيخ تميم لجميع ما وقّع عليه وتعهد به خطياً أمام قادة دول الخليج الحريصين على سلامة الإنسان والمكان «الخليجي» على وجه العموم، قطرياً كان أو سعودياً أو...، ويتساءل كل منا بحرقة خليجية دامية: هل بعد هذا لِحاكم قطر ومن يدور في فلكه منزع لاعتذار أو مجال لمناورة واحتمال؟!
لقد تضمّن اتفاق الرياض هذا:
#اعترافًا قطريًا سياديًا صريحًا بدعم الإرهاب مادياً ومعنوياً، وإيواء قادة جماعة الإخوان المسلمين ومنظريها ودعاتها والمصفقين لها والمتعاطفين معها، ومساندتها في جميع تحركاتها ببلدان العالم العربي، وهي الجماعة المصنفة ضمن قائمة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تمثل خطراً حقيقياً على أمن خليجنا الغالي، فضلاً عن الوقوف مع الفئات المارقة المعارضة لسياسة دول المنطقة، واحتضان الإعلام المعادي المتمثل في قناة الجزيرة كما هو معلوم، وتقديم العون والمساعدة للحوثيين في اليمن، وتشجيع وتحفيز الثورات العربية التوّاقة لإسقاط القيادات والرموز العربية وصولاً للمملكة العربية السعودية للأسف الشديد، وهذا ليس جديداً في تاريخ دولة الحمدين -كما تنعت اليوم- بل هو الأجندة التي يعملون عليها منذ أكثر من عشرين سنة.
# وعدًا بعدم العودة للسيرة الأولى، ولكن!!!
# موافقة لما يُتخذ من قبل دول المنطقة في حال النكث والنكوص القطري.
بصراحة، حين يتوقف الإنسان متفكراً في هذه المواثيق المبرمة فإنه يجد نفسه أمام احتمالات عدة، أبرزها:
# أن قطر أضعف من أن يستقل أمراؤها وشيوخها وساستها وصناع القرار السيادي فيها -من القطريين الصادقين بولائهم لبلادهم- في إدارة دولتهم بعيداً عن إملاءات المرتزقة عندهم.
# أو أن الساسة القطريين أصيبوا بمرض النسيان السريع، فجهلوا أو تجاهلوا ما وقّعوا عليه، وهذا احتمال ضعيف جداً، فهم حين ذكروا بما أبرموه لم ينفوا ما نشرته CNN البريطانية منتصف هذا الأسبوع، بل كابروا ولم يتذكروا.
# أو أنهم لا يعترفون أصلاً بمنزلة الجيرة المقدسة عند العربي في جاهليته فضلا عن المسلم، كما أنهم لا يقدرون المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج التي هي جارة لهم وجمهورية مصر العربية حق قدرها، وينسون صنائع المعروف التي لا تضيع.
# أو أنهم قوم لا يقرءون ولا يكتبون، ومن ثم فهم لا يعرفون سنن الله في البشر، ولا يدرون ما مصير أصحاب المكر السيئ عبر التاريخ كما جاء في كتاب الله تعالى {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر..
# أو أنهم لا يكترثون بسمعتهم ولا يهمهم ما سيصمهم به المؤرخون في صفحاتهم -عرباً كانوا أو غربيين- سلوكهم المشين من نقضهم للمواثيق المبرمة مع جيرانهم والتآمر على من أحسن إليهم و... التي ستظل وصمة عار بهم لا يمكن أن تنمحي مع التقادم أبداً.
# أو أنهم بالفعل كانوا وما زالوا جازمين على جر المنطقة لمستنقع الدم مع سبق الإصرار والترصد، وهذا هو المترجح من كل هذه الاحتمالات، ولذا لا بد أن يدرك ويعي الشعب القطري قبل غيره أنه أمام مرحلة مفصلية يقادون إليها عنوة وثمنها باهظ، ولذا عليهم أن يكونوا على مستوى التعامل مع هذه الأزمة الحقيقية التي جرهم لها قادتهم وساستهم ويتحملوا مسؤولية الخروج من عنق الزجاجة الذي هم فيه الآن ومن ثم صنع مستقبلهم ومستقبل أبنائهم الذي يرتضونه لأنفسهم ولذرياتهم من بعدهم بأنفسهم، قبل أن تضيع الفرصة حينها لات ساعة مندم، حفظ الله خليجنا، وأدام عزنا، وحرس أرضنا، ونصر قادتنا، وجمع كلمتنا على الحق، ووقانا شر من به شر، وإلى لقاء والسلام.