زكية إبراهيم الحجي
بصلابة استل سيفه وحارب بشجاعة حتى فقد قوته وسقط على الأرض بعد أن شعر بطعنة شديدة في ظهره.. عندما التفت خلفه ورأى وجه الجاني كانت الصدمة قاتلة وأشد إيلاماً وحرارة من الطعنة..الدهشة المؤلمة القاتلة أن صاحب تلك الطعنة هو أقرب الناس إلى قلبه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة نطق بتوجع عبارته الشهيرة التي أصبحت مثالاً للانقلاب والغدر والخيانة «حتى أنت يا بروتس» فما كان من بروتس إلا أن قال: أنا أحبك ولكني أحب روما أكثر.. ويذكر التاريخ أن بعض المؤرخين الرومان حرص على استخدام عبارة أكثر سطوة في معناها وأقرب إلى مفردات النازية «حتى أنت يا ولدي؟!» ليبقى المعنى المستتر إشارة إلى اعتراف بأن ما كان يشاع في ذلك الوقت كان صحيحاً.
ما سبق هو اختزال لقصة أشهر الخيانات في التاريخ.. ولست هنا بصدد تفصيل خيوط مؤامرة الخيانة التي دارت أحداثها في روما ولكن وددت أن أشير من خلال ذلك بأن أعظم درجات الخيانة هي خيانة الوطن وانتهاك عهود اتفق عليها وانعدام الثقة فينتج عن ذلك صراع معنوي ونفسي إما في إطار العلاقة بين الأفراد.. أو على مستوى الدول باختلاف نظمها السياسية وتركيبتها الفكرية.. أو حتى بين الحكام وشعوبهم.. وهي وإن تعددت أنواعها واختلفت مبرراتها على مدى التاريخ الإنساني للبشرية تبقى متعلقة بتغليب أفكار معينة أو مصالح على حساب الآخر سواء كان فرداً أو شعباً.. وطناً أو حاكماً.
التاريخ والتراث الإنساني يحفل بآلاف النماذج ومزيد من المشاهد لخونة استرخصوا ولاءهم ووطنيتهم فباعوا ضمائرهم بالتآمر على أوطانهم أو شعوبهم أو حتى جيرانهم من الدول الأخرى ولعبوا دوراً بخساً في محاولة لتغيير مسار العالم أو المشاركة في إعادة رسم خريطته فكانت خياناتهم رقماً صعباً في المعادلة التاريخية.
تنوعت فكرة الخيانة واتخذت جوانب وموضوعات متعددة سواء على مستوى الدول أو على مستوى الحكام والشعوب.. تأتي فكرة مبطنة مستترة تقود الأحداث بتمعن وصراع خفي.. وفي سفر التاريخ استهدفت الخيانة أوطاناً ورموزاً بشرية واتُخذت وسيلة بتآمر مبطن لتصفية خصوم سياسية أو فكرية إما بانقلابات أو بقتل.. وعلى الرغم من المواقف القانونية الثابتة والرافضة لأي سلوك يجعل ميزان الاندفاع في مجرى أي حدث مقترناً بدوافع لممارسة الخيانة إلا أن ذلك لم يؤثر في استئصالها من الذات الإنسانية.. بل بات الحد منها شبه محال في ظل شريعة «الغاية تبرر الوسيلة».