ياسر صالح البهيجان
الأقليّات في مجتمعات منطقة الشرق الأوسط تواجه حالة استقطاب من أطراف وقوى خارجيّة، بهدف تنمية الشعور بالمظلوميّة، وتحويلها إلى مصدر قلق للنظم الحاكمة في المنطقة. تجد نفسها أمام مفترق طرق. إمّا الانتماء الوطني والاندماج ضمن مكوّنات المجتمع الواحد للحفاظ على وطن آمن ومستقر، أو التواطؤ مع العدو الخارجي رغم اليقين بعدم إمكانيّة تفوق الأقلية على الأكثرية.
معادلة الصراع في الشرق الأوسط لم تعد في معظمها قائمة بين الدول، بل اتجهت بوصلتها نحو تأجيج الحراك الداخلي. حراكٌ تقوده الأقليّات لتقويض الأمن والسلم على أمل أن تجد تعاطفًا شعبيًا أوسع قد يتفق مع رغبة بعض الأكثريّة في التغيير. لذا تتجه الآلة الإعلاميّة المعادية إلى الترويج لاحتجاج الأقليّة بوصفه احتجاجًا مجتمعيًا يروم الإصلاح، ويتجاوز المطالب الطائفيّة الضيّقة، لعله يحظى بتأييد شريحة أكبر من شأنها تقويض النظام القائم، أو على أقل تقدير إشغاله بأعمال عنف تقلص من إمكانية وجوده الفاعل في قضايا إقليمية ودولية أشمل.
معظم الدول الإقليمية الداعية إلى مراعاة حقوق الأقليّات تمارس القمع والاضطهاد ضد الأقليّة الواقعة تحت قبضتها، تمامًا كما نظام الملالي في طهران. يتظاهر بدعمه لحق أقليّات في مجتمعات أخرى ليبرر تدخله في الشأن الداخلي لدول مجاورة، ويقيم ستارًا لتمويله ودعمه لجماعات إرهابية متطرفة، بينما يئن الأحواز والبلوش وغيرهما من الأقليّات بسبب التهميش والتجويع والإعدامات العلنيّة. حقوق الأقليّات لعبة سياسيّة أكثر من كونها قيمة أخلاقيّة ودفاعًا صادقًا عن فئة مظلومة.
العقلاء من أبناء الأقليّات في الدول الشرق أوسطيّة يرفضون أي انتماء غير وطني. الانتماء لغير الوطن يعني الزج بالأوطان في أتون حروب أهليّة طاحنة ستدور رحاها على الأقليّة قبل غيرهم، وعندها سيخسر المجتمع جميع مكتسباته، وستعاني مكوناته كافّة من الاقتتال والتناحر، ودون أن تحقق الأقليّات أي شيء، بل قد تفقد كل شيء أيضًا.
حالة الصراع الراهنة، تتطلب مجتمعًا متماسكًا ومتحدًا يؤمن بأنّ مصلحة الوطن فوق كل مصلحة. فوق المصالح الحزبية والطائفية والعرقية والأيديولوجية. يؤمن كذلك بأنّ أي خطوات لإصلاح النظام عليها أن تأتي عبر المطالبات السلميّة وضمن مؤسسات الدولة، وليس عن طريق قوى خارجيّة، أو الحراك المسلح. التجارب الدولية ذات النزعة التغييريّة بواسطة العنف أثبتت فشلها، وراح ضحيتها ملايين الأرواح البريئة، وأسست لسيادة الفوضى واللانظام.