فهد بن جليد
من أسرار شركات الإنتاج الفنية والإعلامية والإعلانية أنَّها تنتج أعمالها - في الغالب - حسب رؤية المُنتج (دافع المال), حتى لو كان غير مُتعلّم أو مُطلع أو مُتخصص، فهي تسعى لإرضاء ذائقته هو أولاً، قبل ذائقة المُتلقي على طريقة من حكم في ماله فما ظلم.
ما نُشاهده من (تلوث بصري وسمعي)على مسارحنا، وعبر شاشاتنا، ونسمعه عبر إذاعاتنا أو نقرأه عبر صُحفنا ومجلاتنا، وأخيراً ما نُتابعه عبر منصات التواصل الاجتماعي، هو في الغالب نتاج تدخل عقلية أصحاب المال في العملية الإنتاجية، وتأثيرهم على المحتوى، وجره إلى زاويا غير صحيحة، لا يمكننا التعميم بالطبع ولكن التجارب المريرة التي نعيشها ونسمعها تدل على ذلك.
أحد المُبدعين الشباب قال لي: أفكر جدياً في التحول من الفن والإعلام والتسويق، إلى تجارة الطبخ والنفخ بافتتاح مطعم لتغذية البطون، فهذا العمل مُريح أكثر من التأليف والتصوير والمونتاج، وهو أكثر نجاحاً واستقراراً من مُحاولات تغذية العقول بأعمال إبداعية تتخاصم فيها مع مفاهيم الآخرين وقناعاتهم، مما يُعرضك للخطر والخسارة، فإمَّا أن تقبل بالموجة، وترضخ للمال وسُلطته، وإمَّا أن تُصرَّ على رأيك الفني والإبداعي والقيمة الأخلاقية، وتتعرّض لمتاعب عديدة قد تتسبب في خسارتك وخروجك من السوق.
هناك شبه اتفاق وإجماع مُجتمعي حول أنواع المطاعم والأكلات الناجحة والمُربحة والأكثر انتشاراً، ولا يوجد حولها مخاطر مزاجية عالية، فالناس في الغالب تقبل ما يُقدّم لها وفق رؤية الشيف، عكس العمل الفني والفكري والإبداعي والإعلامي الذي بات عرضة للتدخل من الجميع.
ما دعا الرجل للتفكير في إغلاق شركته، وتغيير نشاطه، هو اعتقاد الكثير من أصحاب الأعمال الفنية العامة أو الخاصة التي يتم تنفيذها وإنتاجها بأنَّ نظرتهم ورؤيتهم تمثِّل الرؤية الأصح، وأنَّها تعكس رأي الناس الصحيح، فعندما يتم تقديم عمل فني أو إعلامي أو إعلاني برؤية مُتكاملة، مبنية على إخراج فني مُترابط، وحبكة درامية، ونص مُحكم، يتدخل صاحب العمل في النهاية لتعديل خطوات رئيسة في المادة تترجم رؤيته الشخصية، وكأنَّه مخول بتحديد ما يُعجب المُتلقين نيابة عنهم، وفرضه عليهم عبر المنابر ووسائل الإعلام.
يجب أن نحمي الذائقة العامة، بإيجاد وسائل كافية ومُستقلة، سهلة الوصول لدعم المُبدعين بيننا، وفتح المجال والمنصات لهم لتقديم أفضل ما لديهم، بدلاً من خضوع أعمالهم لسلطة المال وجبروت الإنتاج، وكأنَّ صوت المال هو الأقوى والأكثر تأثيراً من صوت العقل، لتعريضنا لكل أنواع التلوث الذي نراه ونسمعه ونقرأه.
وعلى دروب الخير نلتقي.