قال لي أحد معارفي: التقيت به صدفة وهو يحاورني: هل تعرف بأننا عشنا ليلة حالكة يوم أمس الأربعاء، فقلت له متسائلاً ومستوضحًا: وكيف كان ذلك؟ فأجابني: لقد انقطعت عنا الكهرباء فجأة ودون سابق إنذار بعد منتصف الليل، وأعقب كلامه ذلك بزفرة عميقة أردف بعدها يقول: لقد كان لذلك تبعات ومعاناة جمة طفق يشرحها لي بنبرة لا تخلو من رنة ضيق وأسى: تعرف بأننا هذه الأيام نعيش في جو أشبه بالفرن ودرجات حرارة تصل إلى مستويات غير مسبوقة، لقد كنا بحاجة إلى التكييف ليلطف من غلواء هذا الهجير الخانق ويخفف من وطأتة فضاقت بنا الدنيا بما رحبت وبدأ صراخ الأطفال وعويلهم يعلو في جنبات المنزل الأمر الذي لم استطع عمل شيء حوله أو حتى تحمله، ثم غادرت المنزل متجهًا لمسجد الحي القريب لتأدية صلاة الفجر وكان المسجد يلفه ظلام كثيف فدلفت إليه بخطى وئيدة وكنت اهتدي إلى طريقي بكل مشقة وعناء، كان الجو حارًا لا يطاق فأديت صلاتي مع الجماعة في حالة خلت فيها غياب الطمأنينة وانتفاء الخشوع.
في الصباح كنت في حاجة إلى ثوب نظيف لأذهب إلى عملي ولكني فهمت من (أم العيال حفظها الله) بأنها لا تستطيع كي الثوب (لأن ما فيه كهرب اليوم) وأن علي إما كيه خارج البيت أو لبسه إِذ ربما العرق وحرارة الجو يقومان بالمهمة المطلوبة!
كان علي في ذلك اليوم مراجعة المستشفى حسب موعد سابق، ولما قابلت الموظف المختص أخبرني وهو آسف بأن شبكة الحاسب معطلة لانقطاع الكهرباء ولا يستطيع الوصول إلى ملفي لإحضاره ولا يدري متى تعود الخدمة، فغادرت المستشفى غضبان أسفًا إِذ كنت في حاجة ماسة لمقابلة الطبيب بعد موعد طال انتظاره، وفي طريقي عرجت على إحدى ماكينات الصرف لأخذ بعض (الدريهمات) ولكن الآلة ظلت جامدة لا حراك بها عرفت بعدئذ أنها هي الأخرى قد طالها الحرمان من غذاء الكهرباء.
كان صاحبي يسرد عليه معاناته خلال يوم غابت فيه الكهرباء وكيف عاشها مع كثير من أمثاله ممن أضحت حياتهم مرتبطة بوجود هذا المبتكر العجيب الذي لا تستقيم حياة بغيره أو يطيب مقام بدونه.
وعندما جاء دوري في الحديث قلت له: أخي الكريم أن ما ذكرته لي هو ترجمة لمعاناة نفسية يحس بها المرء عندما يحرم من هذه الطاقة العجيبة، وهي بلا شك كئيبة ومرهقة وصعبة التحمل وهي مشاعر وأحاسيس لا يمكن قياسها والتعبير عنها بمعايير مادية محسوسة، لكن هب أن الانقطاعات حدثت لمستهلك تجاري أو صناعي فستخلف تلك الانقطاعات تكاليف وخسائر مادية جسيمة يمنى بها ذلك القطاعان، ناهيك عن بعض من يرقد في المستشفيات ومراكز العناية بها ومن بعض المرضى الذي يعيش في بيته على وجود أجهزة ومعدات تساعد على التنفس والتغذية والنبض واستمرار الحياة.
وقبل أن يودعني صاحبي قال لي بشيء أشبه بالهمس: إذا أحسست أن أحدًا من الناس قد ظلمك وأردت أن تدعو عليه فلا تزد عن قولك له: «جعلهم يقطعون عنك الكهرب»، ثم ودعني مواصلاً طريقه نحو وجهته، وكان آخر ما سمعت منه زفرة أخرى.