سلمان بن محمد العُمري
سبق أن كشفت في دراسة علمية محكّمة صدرت في كتاب (ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي «دراسة تشخيصية» طبيعة الظاهرة، حجمها، اتجاهاتها، عواملها، آثارها، وعلاجها) عن تفاقم وزيادة نسبة الطلاق في المجتمع السعودي وارتفاعها وما تشكله من أرقام مزعجة وبيّنت دواعي وأسباب الطلاق وفقاً لقراءة نماذج من صكوك الطلاق الصادرة من المحاكم المختصة والاستماع من بعض المطلقين والمطلقات عن مسببات الطلاق وتباين هذه الأسباب من حيث المصدر والتنوع ووجدت أنه يمكن معالجة كل دواعي الاختلاف وما ينتهي عليه بالطلاق أو الخلع والمشاكل التي تسبقها وتعقبها في المحاكم لو كان أحد الطرفين فيه من الحلم والأناة والصبر والتأنّي، ويعضد هذه الدراسة كل من له صلة بهذه الحوادث من القضاة والمحامين أو المختصين بالدراسات الاجتماعية، ومن ذلك ما ذكره بعض القضاة الذين دونوا في هذه القضية وكتبوا عنها.
يقول أحد القضاة على سبيل المثال: «لبثتُ قاضياً 27 سنة.. فوجدتُ أن أكثر حوادث الطلاق سببها غضب الرجل الأعمى، وجواب المرأة الأحمق» ويقول آخر وقد نظر في أكثر من 2000 قضية خلاف زوجي، وخرج بهذه النتيجة أنني نظرت في هذا العدد، وأستطيع أن أؤكّد القول: أنه لو تُرك الزوجان المختلفان ولم يدخل بينهما أحد من الأهل أو أحد أولاد الحلال لانتهت ثلاث أرباع حالات الطلاق بالمصالحة الزوجية، ويضاف لذلك ما ذكرته أيضاً في إحصائية سابقة بأن ما نسبته 30 % من حالات الطلاق ناتجة من تحريض طرف ثالث وهو التخبيب بين الزوجين وهي صنيعة شيطانية « من المفاسد العظيمة سواء أتمت عن جهل وسوء قصد أو تعمد نسأل الله العافية.
لقد بينت إحصائية صدرت مؤخراً عن أرقام مزعجة للغاية حيث بلغت قضايا الطلاق وإنهاء النكاح 45.7 % من إجمالي قضايا الأحوال الشخصية الواردة للمحاكم السعودية، أنهت المحاكم السعودية 27.602 قضية إنهاء النكاح والتفرقة خلال 45 يوما من بداية العام الحالي بمعدل 613 قضية طلاق يومياً وهي أرقام مزعجة للغاية ولا تقف عند المتزوجين الجدد بل تشمل زواجات قديمة ولدى المتزوجين الأبناء الذين سيتضررون بكل تأكيد من جراء هذا الانفصال ليس في حياتهم الشخصية بل قد يمتد إلى التأثير السلبي على المجتمع، ومن اطلع على إحصائيات جرائم الأحداث وقضاياهم سيرى أن نسبة كبيرة جداً من المرتكبين لهذه المشاكل يعاني من مشكلة اجتماعية في المنزل وفي مقدمتها انفصال الوالدين.
ولا شك أن الأسباب المفضية للطلاق عديدة ومختلفة إلا أن الجامع لها الغضب والانفعال من الطرفين وعدم التحلي بالصبر وضبط النفس، وهذا الأمر يجتمع فيه المتعلم والجاهل والبر والفاجر والقريب والبعيد والصغير والكبير وتتفاقم المشكلة حينما يكون ذلك مفقوداً من الزوجين، وليست القضية توعية وإرشاد بقدر ما نحتاج لضبط النفس وتعويدها على التحلم والابتعاد عن الغضب كما أوصانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله لمن طلب منه الوصية فقال له: (لا تغضب)، نعم نحتاج لضبط النفس وليس لدورات التأهيل ولا أدل على ذلك من أن حملة الشهادات العليا وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمعلمين والمعلمات يسجلون نسبة عالية من المطلقين والمطلقات، وليس الجهل بحال الزوج والزوجة واختلاف العادات والطباع هو الآخر سبب من الأسباب الرئيسة للطلاق فحتى الأقارب من بني العم والأخوال والخالات يحدث بينهم الطلاق، ولو ضبطت النفوس وأغلقت آذان الزوجين عن بعض الوصايا الخاطئة من أهل الزوجين ومحاولة أهل الطرفين الانتصار لأنفسهم وطرفهم لسلم الجميع.
خاتمة:
أوصت عرابية ابنتها ليلة زفافها بوصيّة طيّبة جميلة أتمنى أن يقتدي بها الأمهات والبنات المقبلات على الزواج ومما قالته هذه المرأة: (يا بنيّتي كوني له أمةً يكن لكِ عبداً).