د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اتفق العالم أجمع على أن مجموعة العشرين التي تأسست في واشنطن عام 1999 بأن اتخذت بالفعل زمام المبادرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي وقعت عام 2008 خصوصاً أن المجموعة تمثل 80 في المائة من إجمالي التجارة العالمية ونحو 90 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ونحو ثلثي سكان العالم، وتخضع هذه المجموعة لأعلى معايير الشفافية بصرف النظر عن الخلافات بين عدد من أعضائها، وهذا شئ طبيعي في تجمع كبير، رغم ذلك ينظر العالم إلى المجموعة كضامن اقتصادي سياسي عالمي ومرجع يمكن الاعتماد عليه.
دائماً تتساءل دول معادية للمملكة العربية السعودية خصوصاً المحور الذي يرتهن لإيران التي تنازع المملكة بلا مبرر في إدارة دفة الحج والعمرة، وتطالب بتدويل تلك الإدارة بين الدول الإسلامية الكبيرة.
ومن أجل تحقيق مثل تلك الفكرة لجأت إلى زعزعة أمن الحج، لكن كانت لها المملكة بالمرصاد، ويزعجها أن كل الدول العربية والإسلامية تدين للمملكة بالعرفان على جهودها في إدارة الحج والعمرة، لذلك لجأت إلى فكرة خبيثة وهي تقسيم العالم إلى سني وشيعي واعتبرت أن المملكة مسؤولة عن القسم السني وهي مسؤولة عن القسم الشيعي، لكن أيضاً فشلت هذه الفكرة الخبيثة التي تؤدي إلى تقسيم المسلمين وتشتيت جهودهم، لكنها لجأت مؤخراً في ظل الانتفاضات العربية إلى استغلال الفراغ السيادي في عدد من الدول العربية إلى تشكيل مليشيات تابعة لها تعزز هيمنها مقابل المسؤولية الدينية للمملكة العربية السعودية التي تدين لها الدول الإسلامية، وهي قوة خشنة مقابل قوة ناعمة تلقائية وهبها الله لهذا البلد ولم تكن منحة منها، القوة الأولى يرفضها العالم بينما الثانية يرحب بها العالم، بل هي أساس التعاون التي ينتشر من خلالها السلام والتسامح والمحبة.
يأتي اتفاق قادة مجموعة العشرين G20 في هامبورغ في 8-7-2017 بأن تستضيف المملكة قمة العشرين في عام 2020 تسبقها الأرجنتين في 2018 وطوكيو في 2019، وهو ما يعكس ثقة قادة أكبر مجموعة اقتصادية في العالم بالدور السعودية الديني والسياسي والاقتصادي بجانب دورها في مختلف المجالات على المستوى الدولي.
هذه الثقة في الدور السعودي ليس فقط في الوزن السياسي والاقتصادي بل أيضاً في القرارات المعتدلة والناضجة وإسهاماتها الكبرى في المساعدات الإنسانية والتنموية للدول المحتاجة بصرف النظر عن الجنس والدين انطلاقاً من مبادئ الدين الحنيف الذي انطلق من هذه البقعة الطاهرة الذي يدعو إلى السلام والمحبة.
تأتي استضافة تلك القمة متزامنة مع إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة مع انعقاد القمة، بدأتها السعودية لتنفيذ التحول الوطني 2020 الذي يتزامن تحقيقه مع انعقاد القمة وهو تحد يضعها على المحك العالمي، ولا يمكن أن تقبل السعودية بتحقيق الحد الأدنى الذي هو مرحلة من مراحل تحقيق رؤية المملكة 2030، من أجل أن ترسم لها موقعاً مميزاً ومكانة مرموقة على خريطة العالم.
تمر السعودية بمرحلة بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتحقيق أهدافها الطموحة خصوصاً أن المملكة تمتلك مقومات تمكنها من تحقيق هذا التحول، وهي تركز على مجابهة التحديات حتى عام 2020 بناء على مستهدفات محددة، ومن ثم تحقيق المبادرات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف بشكل سنوي، وبناء على خطط تفصيلية لها، تعتمد على مؤشرات مرحلية لقياس الأداء ومتابعته، حيث يشمل برنامج التحول الوطني 24 جهة حكومية في عامه الأول، على أن تتم إضافة جهات أخرى في الأعوام المقبلة، وقد تم اعتماد 543 مبادرة للجهات المشاركة للبدء عام 2016، وقدرت تكاليفها الكلية على الحكومة للسنوات الخمس القادمة حتى 2020 بـ270 مليار ريال.
المملكة أصبحت دولة فاعلة في صنع القرارات الدولية خصوصاً في ظل أن العالم يشهد عدم يقين اقتصادي مرتبط بحدوث هزات اقتصادية التي ترتبط في الأغلب بهزات سياسية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي ظلت العقبة أمام اندماج اقتصادي عالمي وتسببت في هيمنة الإرهاب وانتشاره الذي حول منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة تصدير للاجئين إلى أوربا بشكل خاص بسبب ارتباط أوربا بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب استعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة مفصلية.
يرى العالم بأن السعودية هي الدولة الفاعلة والضامن في الوقت نفسه للمساهمة في عودة هذا الاستقرار إلى هذه المنطقة المفصلية، لأنه يعتبر بأن السعودية دولة لها دور عالمي بكل تفاصيله ومسؤولياته وفق تمتعها بسمعة عالمية أهلها بأن تتزعم محاربة الإرهاب، وهي تنتهج سياسة التعاون من أجل المصلحة الدولية على عكس دولة مثل إيران الذي يجمع العالم بأنها دولة راعية للإرهاب.
لذلك عندما تتجه السعودية نحو رسم سياساتها الداخلية تركز على دورها العالمي بكل تفاصيله ومسؤولياته، وهي تعتبر سياسة ذكية وحصيفة في تحقيق معادلة جيوستراتيجية عالمية وليست إقليمية فقط، وهو الحالة الفارقة بينها وبين بقية دول العالم التي تراعي خصوصياتها كأولوية، لأن المملكة تنطلق من مركزها الديني الذي دعوته عالمية تدعو إلى التسامح والتعاون والمحبة وينظر إلى العالم ككتلة واحدة دون تمييز.
لذلك تنظر السعودية إلى نفسها بأنها شريك عالمي مرن تطبق سياسات عالية الجودة من أجل عالم أكثر شفافية وعدالة وتوازناً، حيث كان دور المملكة في مجموعة العشرين خلال الفترة الماضية وسيطاً في النزاعات بين الدول ولم تنحاز إلى فريق دون فريق، وهو ما أهلها إلى أن تكون دولة ذات مرجعية يمكن الرجوع إليها في صياغة قرارات المجموعة لثقة قادة المجموعة في دور المملكة المحايد والذي يبحث عن القواسم المشتركة والوصول إلى أقرب نقاط التفاهم.
رحبت المملكة بإطلاق مبادرة ميثاق مجموعة العشرين مع إفريقيا، مؤكدة على الدور الفاعل للدول الإفريقية والمنظمات والمؤسسات المالية والإقليمية والدولية في التنفيذ، مبينة أن التزام دول المجموعة بالشراكة مع إفريقيا يعد دعماً أساسياً ومحورياً للتنمية المستدامة، وجاءت مداخلة المملكة في جلسة (الشراكة مع إفريقيا والهجرة والصحة).
وأشارت السعودية إلى أنها أسست منذ سبعينات القرن الماضي مؤسسات مالية إما لتمويل التنمية في إفريقيا أو تركز على إفريقيا بشكل خاص مثل الصندوق السعودي للتنمية، والمصرف العربي للتنمية في إفريقيا، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق أوبك، وقبل انعقاد قمة مجموعة العشرين في هامبورغ دعت السعودية إلى استضافة قمة سعودية إفريقية في الرياض في الأشهر المقبلة.
دعت السعودية في جلسة التحول الرقمي وتمكين المرأة والتوظيف إلى أهمية التعاون الدولي لسد الفجوات الرقمية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز المنافسة في الاقتصاد الرقمي، وتحفيز الاستثمار وتشجيع الابتكار، مع تعزيز حماية المستهلك والموثوقية، وأمن المعلومات واحترام الخصوصية، وفي الوقت نفسه حذرت المملكة من الآثار السلبية للرقمنة على العمالة التقليدية، مهيبة بإصلاح سوق العمل، وتعزيز التدريب، وتنمية المهارات المساعدة للقوى العاملة للتكيف مع الرقمية وفرص العمل الجديدة، وتُعَدُّ مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية أمراً ضرورياً وحيوياً لبناء اقتصاد قوي ومتوازن مع تحسين جودة الوظائف للمرأة.
أثبتت السعودية بأن دورها في المجموعة ليس دوراً تنسيقياً أو دوراً يعود إلى مصالح خاصة لدول أو محاور بل دور أثبت قدرة في قيادة أسعار النفط بعد تراجعها في صيف عام 2014 والتي يمكن أن تهتز اقتصادات دول نتيجة انخفاض أسعار النفط ويؤثر على الاستثمارات في هذا القطاع مما يقود مستقبلاً إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط نتيجة محدودية مناطق الإنتاج بعد توقف التنقيب وهو ما يهدد اقتصادات دول متقدمة، لذلك لعبت السعودية بالتعاون مع روسيا دوراً للحفاظ على مستقبل الاقتصاد العالمي.
انعكست عضوية المملكة في مجموعة العشرين أن اكتسبت كل مشروعاتها الإستراتيجية الصبغة الدولية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يركز على المخططات الإستراتيجية المستدامة مرتكزاً على القوة الاقتصادية التي تتمتع بها المملكة والتي تفرز نتائج تلقائية على الساحة الوطنية والعالمية خصوصاً من خلال الشراكات العالمية التي يقودها بشكل مباشر.
الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة تشكل بصورة جديدة يتماشى هذا التشكل مع الأخذ بمسؤوليات السعودية كدولة محورية التي توفر للعالم أدوات صناعة القرار العالمي المتزن الذي عانى في الفترة الماضية بفعل السياسات الدولية قصيرة النظر.
الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة البناء والاستدامة والأمان الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط لكنها تعتبره أحد محاور تشكل الاقتصاد السعودية الجديد، لذلك لن تستمر السعودية مصدراً للنفط الخام فقط بل ستتجه نحو مزيج الطاقة وأن يكون النفط أحدها وليس الوحيد، وهي تدعو في قمة المجموعة التي عقدت في هامبورغ إلى التوازن في التعامل مع مصادر الطاقة المختلفة، مما يجعل السعودية تغير نظرتها التقليدية والتحول نحو مرحلة جديدة من الاستثمار وفق معايير جديدة التي ترتكز على معايير الاستدامة الذي يحقق الأمان الاقتصادي ويفتح آفاقاً جديدة نحو خلق استثمارات جديدة وفق شراكات دولية.