د. عبدالواحد الحميد
إذا لم يستطع إنسان هذا العصر تنظيم وقته في تعاطيه مع مواقع التواصل الاجتماعي فسوف يجد نفسه مغبوناً ومسروقاً، فهو حين يدخل إلى أحد هذه المواقع لقراءة العناوين أو لاستعراضٍ سريع للمحتويات معتقداً أن الأمر لن يستغرق أكثر من خمس أو عشر دقائق سوف يجد نفسه غارقاً في تفاصيل ما تحتويه هذه المواقع وسوف ينظر إلى مؤشر الوقت في الجوال فيكتشف أنه لم يُمْضِ خمس دقائق أو عشراً وإنما ساعة أو ساعتين!!
يمكن أن تدخل باختيارك إلى هذه المواقع، لكنك سوف تكتشف أن الخروج منها لن يكون باختيارك، ففيها من المغريات والمسليات والإشاعات والأكاذيب مثل ما فيها من المقالات والتقارير الرصينة ومن الأخبار الموثقة، وبالتالي فأنت لن تفلت من الوقوع في فخها المنصوب لك في كل ثانية ودقيقة أياً كانت ميولك واهتماماتك!
الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تفعله هو أن تنظم وقتك (إن استطعت، ولن تستطيع!) في التعاطي مع هذه المواقع أو عدم ارتيادها إطلاقاً. وبما أن مواقع التواصل أصبحت ضرورة قصوى أو شراً لابد منه ويصعب لأي إنسان عصري الاستغناء عنها فقد يتبادر إلى الذهن أن الحل هو تنظيم الوقت.
في أزمنة سابقة، كان المهتمون في علم الإدارة لا يملون من الحديث عن فن إدارة الوقت، وكان شغلهم الشاغل هو المساعدة في تعظيم الفائدة من الوقت المحدود المتاح للإنسان بحيث يتمكن من ترتيب الأولويات في المكتب وفي المنزل في ظل زحمة المشاغل وتكدس الواجبات فلا يضيع يومه في التعاطي مع الأمور الثانوية على حساب الأمور المهمة. وكلنا قرأنا أو سمعنا عن مصفوفة إدارة الوقت لعالِم الإدارة الشهير الدكتور ستيفن كوفي، وكان ذلك قبل الزلزال التقني الكبير الذي حمل لنا معه مستجداتٍ لم تكن معروفة من قبل وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحتْ أيُ محاولة لترتيب مفردات يومك وفق مصفوفة ستيفن كوفي لإدارة الوقت غير ذات جدوى لأن تنوع مواقع التواصل وتداخل الجاد مع الهازل كفيل بجر قدمك إلى الوقوع في الفخ وبعثرة مصفوفتك وتبديد وقتك! وفي كل مرة تتوب وتصمم على عدم الوقوع مرة أخرى في هذا الفخ، ستجد نفسك عاجزاً ومسلوب الإرادة!
أرى، دون أجزم بواقعية رأيي ومدى عمليته، أن الحل هو ألاَّ تقترب من هذه المواقع على الإطلاق عندما تكون مشغولاً أو حين تكون على موعد مهم أو حين تكون لديك مهمة لابد من إنجازها. ففي اللحظة التي تدخل هذه المواقع سيكون الأمر قد فلت من يدك، وسوف تكتشف كما في المرات السابقة أنك قد أضعت وقتك وبعثرت أولوياتك، وقد تقرر أن تتوب لكنك سوف تكتشف مرة أخرى عجزك وقلة حيلتك!
أتمنى لي ولكم توبةً نصوحاً رغم كل شيء.