د. أحمد الفراج
منذ اليوم الأول لقرار المملكة وحلفائها بمقاطعة قطر، كان موقف الرئيس ترمب واضحا، عندما صرح بأن قطر تدعم الإرهاب على أعلى مستوى، ولكن موقف وزارة الخارجية كان أقل وضوحا، وبدا مرتبكا إلى حد كبير، وقد تأكد ذلك، بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، إذ كان متوقعا أن يقوم الوزير بالتنسيق مع دول المقاطعة في شأن أي جهد تصالحي. هذا، ولكن السيد تيلرسون طار من الكويت إلى الدوحة، وتفاجأنا بتصريحاته هناك، وتوقيعه اتفاقية ثنائية مع قطر لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي استفز المملكة وحلفاءها، فقضيتهم مع قطر ودعمها للإرهاب أكبر من أن يقبلوا بحلول رخوة، من شاكلة ما قام به السيد تيلرسون في الدوحة.
أمريكا دولة مؤسسات، يحكمها الرئيس، والكونجرس، وكذلك المؤسسات الصلبة، مثل وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووكالة المخابرات المركزية (CIA)، ووكالة الأمن القومي، ولكن تظل رؤية الرئيس هي الأكثر تأثيرا، وما يجب الحديث عنه هنا، فيما يتعلق بالاختلاف في الموقف الأمريكي، بين الرئيس ووزير خارجيته، هو أن قطر قدمت، خلال العشرين عاما الماضية، خدمات كبرى لبعض المؤسسات الأمريكية، وتحديدا وزارة الدفاع والسي آي إي، فمن قاعدة العديد، تم ضرب العراق واحتلاله، في عام 2003م، كما أن قطر قبلت أن تكون راعيا لجماعات التطرف، مثل تنظيم الإخوان، التي كانت ذراعا رئيسيا للثورات العربية، المدعومة أمريكيا، وبالتالي فإنه، ورغم أن السيد تيلرسون يعلم عن أدوار قطر المشبوهة في دعم الإرهاب، إلا أنه اعتقد أنه لا يصح الضغط عليها، بعد كل الخدمات التي قدمتها لأمريكا فيما مضى!
هنا نشهد تناقضا فاضحا، بين يقين الإدارة الأمريكية بدعم قطر للإرهاب، وبين تلكؤ السيد تيلرسون في الضغط عليها، وجاء توقيعه للاتفاقية الثنائية مع قطر من خلال هذا الإطار، معتقدًا أن توقيع هذه الاتفاقية سيكون بديلا لشروط المملكة وحلفائها، وغاب عنه أن دول التحالف لم تتخذ قرار المقاطعة، وهي تنوي القبول بحل هزيل كهذا، خصوصا وأن الاتفاقية بين أمريكا وقطر، لا تمس رعاية قطر لتنظيم الإخوان، بحكم أن التنظيم غير مصنف كتنظيم إرهابي أمريكيا، وبالتالي ستستطيع قطر مواصلة دعم التنظيم ورعايته، والمفارقة التي لم يدركها تيلرسون هي أن رعاية قطر لهذا التنظيم تعتبر أحد أهم أسباب قرار المقاطعة، وإذا كانت قطر نجحت في خديعة تيلرسون، فإنها لم ولن تستطيع فعل ذات الشيء مع المملكة وحلفائها، لأنهم يعرفون كل أساليب الكذب والاحتيال والمراوغة التي تنتهجها قطر، ولعل السيد تيلرسون سمع ذلك من وزراء خارجية دول التحالف، عندما جاءهم في جدة قادما من الدوحة، بعد توقيعه لتلك الاتفاقية الهزيلة!