هذا مقال كتبه الأمير منصور بن خالد بن عبد الله بن فرحان آل سعود- سفير المملكة العربية السعودية لدى اسبانيا في صحيفة الموندو الاسبانية عن الأزمة مع قطر.. وقد رأينا أن نترجمه وننشره، فإلى نص المقال:
اتخذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قراراً صعباً بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، تبعها سبع دول أخرى بقطع علاقاتها أو سحب سفرائها من قطر.
تبع ذلك تصريح للرئيس الأمريكي يطالب فيه قطر «بإيقاف تمويلها للإرهاب ويصفها بأنها داعم تاريخي للإرهاب على مستوى عال جداً». لا يعقل أن تكون جميع هذه الدول مخطئة ودولة قطر وحدها على حق. هذا القرار لم يكن مفاجئا؛ فعلى مدى سنوات بذلت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي جهودا صادقة لإقناع قطر بإيقاف تمويلها للتنظيمات المتطرفة وتغيير سياستها العدائية ضد جيرانها، وعدم إيواء ودعم قيادات تنظيمات متشددة. لم تتجاوب قطر مع تلك الجهود فسحبت السعودية والامارات والبحرين سفرائها من قطر ثم غيرت حكومة قطر موقفها وأبدت استعدادها لتلبية مطالب هذه الدول ووقع أمير قطر بنفسه على اتفاق الرياض عام 2013 والاتفاق التكميلي عام 2014 ومع ذلك لم تفِ قطر بما التزمت به.
قائمة الطلبات الأخيرة التي جرى تقديمها لقطر لم تكن تعجيزية، كما تدعي قطر، بل كانت غالبيتها ضمن البنود التي التزمت قطر بتنفيذها ضمن اتفاق الرياض ولم تنفذها. وغالبية الأسماء المدرجة على لائحة الإرهاب التي اعتمدتها الدول الأربع مدرجة أيضا على لوائح الإرهاب الأمريكية والأوروبية، ومع ذلك لم تلتزم بها قطر.
في مؤتمر قمة الرياض الذي جمع الرئيس الأمريكي مع زعماء 55 دولة إسلامية جرى الالتزام والتعهد بالوقوف بحزم ضد الإرهاب ورعاته ومموليه فيما عدا قطر التي حضرت المؤتمر ولم تلتزم بمخرجاته. كل هذا يؤكد الأسلوب القائم على الدبلوماسية والحوار التي اتبعتها المملكة والدول العربية الأخرى مع قطر لحل الخلاف بشكل ودي حرصاً على الروابط القائمة مع قطر وشعبها الشقيق الذي يشكل جزءاً من نسيجنا الاجتماعي ومنظومتنا الخليجية والعربية.
نشعر بالأسف من الرد السلبي للحكومة القطرية على قائمة المطالب التي قدمتها الدول الأربع مما يؤكد إصرارها على التمسك بنهجها الحالي الذي هو مصدر الخلاف بذريعة رفضها المساس بسيادتها واستقلالية سياستها الخارجية دون أي اعتبار لخطورة هذه السياسة على جيرانها ومنطقتها والعالم أجمع.
تقول الحكومة القطرية بأنها تتعرض للحصار، وهذا غير صحيح؛ فالأجواء القطرية ومطاراتها وموانئها مفتوحة بالرغم من قرار المقاطعة والذي يعتبر حقا سياديا ومشروعا لأي دولة. تعمل حكومة قطر على إعطاء صورة مثالية عن دعمها للحريات والديموقراطية والإعلام الحر، فكيف لها أن تعطي ما لا تملك؟ ترويجها لذلك تستخدمه للتغطية على سياستها الخطرة وسلوكها الضار بأمن شعوب المنطقة والعالم. علاقاتها وتمويلها لتنظيمات مصنفة في قائمة الإرهاب من بينها جبهة النصرة في سوريا، وتنظيم سرايا الدفاع عن بنغازي في ليبيا هو سلوك غير مقبول ويتعارض مع اتفاقيات مكافحة الإرهاب الدولي.
تمويل قطر لوسائل إعلام تبث الكراهية والتطرف والتحريض على العنف هو أمر لا يندرج ضمن حرية الإعلام بل يتعارض مع الأعراف الدولية ومع القوانين المحلية السائدة في كثير من دول العالم. من هذه القنوات قناة الجزيرة التي اعتبرها البعض قناة مستقلة تمثل حرية الرأي، والواقع أنها ممولة بالكامل من قبل حكومة قطر وتعمل لتنفيذ سياستها، وهي منصة إعلامية تدعم مصالح جماعات ترعاهم وتأويهم قطر كتنظيم الإخوان المسلمين، هي القناة التي استضافت زعيم القاعدة بن لادن وروجت لفكره المتطرف، كما استضافت قيادات متطرفة ودعاة عنف وصورتهم كالأبطال، منهم زعيم تنظيم جبهة النصرة في سوريا، ومن مراسليها من تمت محاكمته في اسبانيا وإدانته بتهمة ارتباطه بتنظيم إرهابي.
اعلاميون بارزون أكدوا أن هذه القناة تمارس التضليل الإعلامي وتمجيد المتطرفين.
عانت السعودية من عمليات إرهابية آثمة استهدفت 8 مدن فقدت فيها 240 شهيداَ وأكثر من 1055جريحاً في أكثر من 50 عملية إرهابية، ولا تزال هدفاً لمنظمات الشر والإرهاب، ولا يزال الإرهاب يضرب بوحشية كثيرا من الدول منها ما حدث من أعمال إرهابية دنيئة في بريطانيا والمانيا وفرنسا وبلجيكا. الإرهاب تهديد عالمي مشترك وهزيمته تتطلب تعاون كافة دول العالم.
استمرار تمويل الجماعات المتطرفة لا يزال يشكل خطرا قائماَ يجب إيقافه، وهذا يجسده تأكيد العديد من حكومات دول العالم على أهمية التزام حكومة قطر الجاد بمحاربة الإرهاب والتوقف عن تمويل التنظيمات المتشددة.
** **
- الأمير منصور بن خالد بن فرحان آل سعود