ياسر صالح البهيجان
يبدو أن اتفاق الرئيسين الأمريكي والروسي حول إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا خطوة إلى الأمام. ونادرًا ما يجتمع الطرفان المتعاديان منذ الحرب الباردة بينهما على قرار موحد في منطقة الشرق الأوسط. لكن، هل ثمة اتفاقيات سرية خلف هذا الرؤية المتحدة؟، وما التنازلات التي قدمها كل جانب للوصول إلى موافقة الطرف الآخر؟.
أمن الكيان الصهيوني يمثل أولوية لدى واشنطن، وبقاء الأسد على سد النظام السوري هو أولوية أيضًا لموسكو. النظر إلى أولويات الجانبين تمنحنا قراءة أكثر دقة للمشهد. أي أن الاتفاق قد يُبنى على تخلي الجانب الأمريكي عن خطوة تغيير نظام الأسد عسكريًا، والاتجاه بدلاً من ذلك نحو الحوار والجهود الدبلوماسية، مقابل إرغام روسيا لحلفائها الإيرانيين والسوريين على ترك مواقعهم في الجنوب السوري، وتحديدًا قرب الجولان المحتل والحدود الأردنية، لتخفيف حدة التوتر هناك، وضمان عدم وجود ميليشيات تهدد الأمن الإسرائيلي.
الاتفاق أيضًا قد يعد تمهيدًا لتقسيم سوريا، وهو أحد الحلول المطروحة في الدوائر السياسية الغربية للخروج من الأزمة الراهنة، خصوصًا وأن الجنوب السوري يُنظر له بوصفه كيانًا مستقلاً عن سوريا. واستعملت تسمية «سوريا الجنوبية» أول مرة خلال مؤتمر لندن عام 1840، وهي على حد وصفهم جزء من فلسطين التاريخية.
بالنسبة لدول المنطقة، قد يمثل الاتفاق الأمريكي الروسي فرصة للحد من تمدد الميليشيات الإيرانية، وقد يؤسس لعلاقة جديدة بين واشنطن وموسكو تدفع الأخيرة لتحييد طهران عن المشهد السوري تدريجيًا. وكما أن هناك مصالح مشتركة تجمع الروس وإيران، فهناك أيضًا مصالح أخرى متباينة. ولدى الكرملين تبادلات اقتصادية مع عديد من دول المنطقة، وليست على وفاق تام مع سياسة ولاية الفقيه التوسعية، والتي قد تدفع الدول العربية والإسلامية إلى تقليص حجم تعاونها التجاري مع موسكو إن استمرت طهران في عبثها بأمن دول الجوار.
سياسة واشنطن الجديدة تبدو أكثر مهادنة مع الروس. أي أنها على استعداد للتخلي عن شرط رحيل الأسد مقابل تلبية رغبات حلفائها في المنطقة للحد من النفوذ الإيراني. وموسكو تريد التخلص عاجلاً من المستنقع السوري مع ضرورة بقاء النظام لحفظ ماء الوجه من جانب، ولضمان استمرار الأنظمة الحليفة لها في الشرق الأوسط من جانب آخر.
إيران هي الخاسر الأكبر في ذلك الاتفاق، وهي أيضا العقبة الكبرى عند تنفيذه على الأرض، فهل ستتمكن موسكو من فرض رؤيتها وإجبار طهران على سحب ميليشياتها من الجنوب السوري، أم ستعمق ولاية الفقيه من الشرخ، وعندها ندخل في مرحلة جديدة حافلة بالتوترات الروسية الإيرانية، وسنشهد مزيدًا مع التعقيد في الأزمة السورية.