د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما أشرع في كتابة موضوع يتعلَّق بالتعليم؛ فإني أدعو ربي أن لا أكون جباراً شقيّا، كما أن عنوان المقال أعلاه لا يعني قدرتي على الحكم بتبعية صناعة شروط ومحددات المحتوى التعليمي بين هيئة التقويم ووزارة التعليم أو أنها قسمة بينهما!! ولكن الحقيقة المعروفة أن التعليم يبقى متكئاً في جله ولبّه على المحتويات التعليمية الممنهجة التي تحدث التغيير؛ وتبقى التربية وسيلة لضمان الاستمرار والبقاء وكلاهما يمثّلان التربة والبذور والري والمخصبات التي تنبت الحضارة وتدفع للتنمية المستدامة، ويُستنبتُ منهما غراس التعايش الوطني وتعزيز الهوية.
ومما دفعني أيضاً للكتابة عن صياغة المنهج التعليمي عامة ما أشهده ويشهده غيري من توأمة هذا الجيل والتقنية التي ما زال الاحتفاء بها في مضامين المحتوى التعليمي نزراً وخجولاً!! إضافة إلى ما ينوء به الميدان من مبادرات وبرامج ربما تختلف في منهجها البنائي والتنفيذي عمَّا يجب أن يكون بين أيدي المتعلمين، ولو اتفقنا على جودة بعضها خاصة ما تتبناه بعض الجهات الداعمة للفكر المجتمعي وتطوير ثقافته وترقية مستويات التنافس فيه من خلال برامج محفزة وهي برامج مهداة لمؤسسات التعليم جاهزة للتنفيذ من مصادرها المحلية والخارجية، ولكنها ما زالت تحظى باحتفاء اللحظة في نهايات مواسم الحصاد من قبل مؤسساتنا التعليمية؛ ولم تحظ بخطة طويلة المدى لاستهدافها وتضمينها في مناهج التعليم، وربما سار المختصون في بناء معايير المناهج الوطنية دون الالتفات لها!!
وإذا ما اتفقنا على أن المعرفة ممكِنة وممكّنة، وأن هناك مكاناً لا سواه صالح لإطلاقها وهو الفصل الدراسي، وأن شخصاً واحداً هو من يستطيع أن يبلّغ المعرفة وهو المعلم؛ واتفقنا أيضاً أن إصلاح التعليم يكون من خلال تقويم كيفية إدارة وتنفيذ المحتوى التعليمي أولاً وأخيراً، وأن التقويم حزمة من المعايير التي يتكئ عليها المُقايسون، وأن المعيار هدف عام لا يمكن القفز عليه إلى غيره؛ فإننا نتساءل عن موقع تلك البرامج والمشاريع المتناثرة في الميدان التربوي وبعضها أبدي، وليس مزمناً وبعضها تمدد وتبدد!! نتساءل عن موقعها من تلك الشروط والمعايير التي تعمل عليها هيئة تقويم التعليم منذ تأسيسها!! والتساؤل الأكثر إلحاحاً ما هو مصير تلك الأحمال الميدانية في ظل قولبة تلك المعايير في مناهج حديثة مستقبلا؟! وأجزم أن قولبة تلك البرامج والمشاريع في مصفوفة ممنهجة ضمن مشروع بناء المعايير وتصاعدها عبر الأجيال من خلال المحتويات التعليمية المستندة إلى معايير معتمدة لصناعة المحتوى التعليمي الوطني أمر يجب الأخذ به، أما المنظور العام لصياغة معايير المناهج فإن ذلكم المشروع الكبير لا بد أن يُبنى على الرؤية العامة للدولة، وأن لا يكون الكتاب المدرسي الخيار الأوحد؛ بل لا بد من التوجه إلى صياغات تمكّن من تنويع التعلّم، وأن يكون نسق المعايير قابلاً للقولبة والتطبيق في جميع بيئات التعلم، وأن تركّز فلسفة بناء المعايير على امتلاء الوحدة التعليمية باعتبارها قيمة معرفية عليا حتى تكون مصدر الإلهام الأول لتبنّي نموذج وطني للمحتوى التعليمي يعمم بعد استيفاء نموذج بلادنا من خلال رؤيتها الفريدة، كما أنه من القواعد الكبرى لصناعة شروط ومعايير المحتوى التعليمي أن يكون بناؤها ومن ثم قولبتها للتنفيذ في مسارات مختلفة الجرعات والتركيز وفق الأهمية؛ ومثال ذلك أن يتربع المسار الوطني في كل زوايا المنهج فما أشد حاجة الأجيال الحاضرة والمستقبلية لذلك، وأن يأخذ النصيب الأوفى من المحتوى المعرفي الذي تتوافر على إنتاجه محددات عميقة جداً بما يجب أن يكون، ومن ثم جرعات مركّزة من المعرفة المقرَّرة في مصفوفة العلوم والتجارب التربوية العميقة المتشابهة والمنْتجة في المجال، وكذلك أن يتوافر عند صانعي المعايير والمنتجين للمحتويات معرفة عليا بالثغرات التي اكتشفها الأولون والآخرون في نظريات التعلّم بما يمكّنهم من أن يحسموا ذلك الخلاف والاختلاف، وأن تكونناعة المعايير الوطنية للمناهج مما يُسهّل على منتجي المحتويات أن يركزوا على المهمة التربوية وتقديم المعرفة مرتبة منهجياً وفق قدرات الطلاب؛ بمعنى أن يكون الشرط التربوي منصباً على قدرات الطلاب ومكوناتهم العقلية والنفسية، وأن تنطلق فلسفة صناعة شروط ومعايير المحتوى التعليمي من قدرتها على تمكين المتعلمين من تشكيل رؤاهم، وأن تكون لهم خصوصية الإضافة المعرفية.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا أن تكون خطوط الإنتاج واحدة وإلا فإن الطريق لفهم الانحرافات لن يكون واضحاً،،، وما زلنا ننتظر أن تصبح الأرض التعليمية مخضرة.