عبد الله الماجد
منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 تعرضت دوله لأزمات إقليمية ودولية، آخرها الأزمة القائمة، مع قطر إحدى دول المجلس، وبالنظر إلى مجلس التعاون الخليجي، في ظل التكتلات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية - التي تسبق كل هذه التكتلات في تاريخ إنشائها - والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الاتحاد الأفريقي، وبقية المنظمات والاتحادات الدولية الأخرى؛ فإن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هو الأهم دولياً بين كل تلك المنظمات، ولا يُقلل من هذه الأهمية أنه الأقل في عدد دوله، وفي المساحة الجغرافية، بعد دول الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، ولكنه الأهم اقتصادياً، وموقعاً أستراتيچياً. ولابد أن تكون هذه الحقيقة ماثلة في فكر وعقل دوله ومؤسساتها، وهي تضع نظامه الأساسي، الذي احتوى في صورته الحالية علي (22) مادة. لا تتسامى مع هذه الأهمية لدوله.
دول المجلس هي الأهم والمؤثرة دولياً، لأنها تتحكم في أكثر من ثلث مكونات الاقتصاد الدولي، وتتحكم في أخطر ممراته المائية. أما على المفهوم الأنثروبولوجي فإن المكونات العرقية لسكانه واحدة وهو الأمر الذي لا ينافسه فيه أي تكتمل سياسي دولي، التاريخ والجغرافيا واللغة، والمكونات العرقية لجميع سكان أقاليم المجلس واحدة - بالرغم من المكونات التي طرأت على سُكّانه مع تعاقب الفترات التاريخية - وهو أمر تعيشه كل الأقاليم والدول في العالم.
ومن هذا المنظور، فإن المسؤولية التاريخية، ولمصلحة النظام الدولي، سوف يكون على دول المجلس، أن تتحرى وهي تُنشئ مواد النظام الأساسي لمجلس دولها، أن يكون على هذا القدر من الأهمية وألا تشعر بالتواضع السياسي، في الاعتبار الأمني الذي يتحكم فيه الاقتصاد، يجب أن تشعر أنها الأهم، وألا تفرط في قناعاتها بهذه الأهمية، فهي - أو هكذا يجب - من أهم صانعي الاستقرار الدولي، وصانعي تاريخ المرحلة.
ومن المؤكد؛ أن دول المجلس قبل غيرها، ومنذ إنشاء المجلس وحتى هذه الأيام، تشعر بالحاجة الماسة إلى تطوير النظام الأساسي للمجلس، وتعديل بعض مواده، وإحداث مواد أخرى، ووضع ميثاق جديد للمجلس، يلبي المتغيرات التي طرأت وتطرأ على النظام الدولي. إن الأزمات التي مرّت على دول المجلس، وكان أداء المجلس فيها متواضعاً خير مُحفزّ لهذا التطوير المنشود.
لا أحد ينكر أن دول المجلس، تتعرض في المرحلة الحالية، إلى مخاطر لا ينكر خطرها أيّ مراقب سياسي، وقد تكون بمثابة اختبار لمدى قدرتها على المواجهة والصمود، ولعل أخطر هذه المخاطر، هو هذا الذي حدث من الداخل، من داخل منظمة دول المجلس. ولا يجب التقليل من هذه الأزمة الحالية مع قطر إحدى دول المجلس، لأنها تجرّ معها مخاطر إقليمية ودولية، تُهدد أمن دول المنطقة، بل الأمن الدولي. وقد يجد المتربصون، فرصة لتقويض أمن دول المجلس - لا سمح الله - إنها الأزمة الأخطر، من تلك التي حدثت في العقد الأخير من القرن الماضي، في تلك الأزمة كان الخطر واضحاً، وماثلاً لمواجهته. وكان أخطر ما فيها التدخلات الدولية، التي دلفت بجيوشها إلى المنطقة العربية، وما لم يتم مواجهة هذه الأزمة الحالية، ومن دول المجلس، قبل غيرها، ودون غيرها، فإنه يصعب احتواء الأزمة وتداعياتها.
من أهم أدوات هذه المواجهة، هو تعديل النظام الأساسي لدول مجلس التعاون، ووضع ميثاق جديد، يتم العمل به في مواجهة أي أزمة تتعرض لها دولة. ولأن دول المجلس هي الأهم عالمياً، فلابد أن يكون نظام مجلسها الأهم بين مجموع القوانين الدولية، وأن يكون على قدر من الحسم في مواجهة قضاياه.
وأعتقد أن فرصة، تلمس المثالب والعيوب، في أنظمة وقوانين المنظمات الدولية، ومنها على وجه بارز، نظام جامعة الدول العربية، الذي بسببه ظلت هذه المؤسسة الأقدم تاريخياً، تراوح مكانها، أثبتت عجزها في مواجهة الأزمات التي واجهت الدول العربية، منذ إنشائها فبقدر أهميتنا دولياً، نريد مجلساً قوياً، يستمد قوته من مواد نظامه، وميثاقاً، يكفل لدوله حل مشاكلها، وأزماتها، مهما كبرت ومهما كانت الأخطر. بقدر قوة الدول الأوروبية - المهمة وليست كل دول المنظمة الأوربية - أصبحت منظمة اتحاد الدول الأوروبية، الأهم عالمياً، قراراتها أكثر حسماً من قرارات الأمم المتحدة، بل ومن مجلس الأمن الدولي، ودولها الفاعلة، تقف الآن بالمرصاد لمن يحاول تقويض منظمتها، لشعورها بأن منظمتها هي الحصن المتين لبقائها قوة إقليمية مؤثرة.
إن من المهم، أن يُعبر هذا الميثاق في مواده، عن هذه الأهمية لدول المجلس، وأن يكون على قدر من الصرامة والوضوح؛ في مواجهته للأزمات التي تطرأ إقليمياً ودولياً، وأن يُحدد في نديّة لا مساومة عليها علاقاته الدولية؛ في تجاوب مع مصالح دولة، وصيانة استقرار وأمن دولة.
وكيف يجوز لدولة من دول المجلس، أن تستدعي قوات أجنبية، من خارج تكتل دول المجلس، وتقيم لها قواعد عسكرية على أراضيها، قد تُهدد أمن دول المجلس؟ هل تستطيع دولة من دول الاتحاد الأوروبي، أن تفعل ذلك فتستدعي قوة خارجية، ترى دول المجموعة الأوروبية، أنها تهدد أمنها، أو أمن دولة من دولها. أو هل تستطيع دولة في ظل ميثاق المجموعة الأوروبية، أن تُطبّع علاقاتها مع دولة ترى أنها تمثل خطرًا يُهدد أمن الدول في الاتحاد الأوروبي. العلاقات الروسية الأوروبية مثل على ذلك، التطبيع معها في حدود المسموح به. وليس الارتماء في الأحضان، كما تفعل الآن قطر مع إيران ومع تركيا، ومع غيرها وقد يكون القادم أكبر. والسؤال لماذا، والجواب لأن النظام الأساسي ولوائحه التنفيذية، لا يحسم هذه الإجراءات. ولعل في وقوعها والشكوى منها، يكون الحاسم في إعادة النظر في نظام المجلس. بل وتغيير اسمه الذي يأخذ من الأمور أقلها، وكأنه يُعلن عن نفسه دولياً على استحياء. لماذا لا يكون اسمه مثلاً: اتحاد دول الخليج العربية، أنت في ظل التحديات الدولية، لا تأخذ من الأمور أيسرها، بل تأخذ منها الأقوى والحاسم. صيغة التعاون مطروحة بين كل الدول. وبين كل دولة وأخرى مجالات للتعاون. ولكن حينما يكون بينهما اتحاد، فإن الأوضاع تكون أكثر تحديدًا والتزاماً.
بعض الدول - ومنها قطر - تفهم أن الاتفاق على تحديد الإجراءات الأمنية، في ظل تكتل سياسي تنتمي إليه، هو سلب لسيادتها واستقلالها. وهذه نظرة قاصرة في ظل التكتلات السياسية. بل إن في ذلك حماية لتلك السيادة وتعزيزًا لاستقلالها.
إن صيانة القوة أهم من امتلاكها. ذات يوم قالت "مادلين أولبرايت" وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (1997 - 2001) على رؤوس الأشهاد: إننا الأقوى فنحن القادرون على صنع التاريخ. ولكن من الثابت في علم التاريخ: أن التاريخ لا تصنعه قوة واحدة؛ ولا أمة واحدة، لأنه تاريخ أمم، ويصنعه الأقوياء ومن لديهم القناعة بقوتهم.
لا جدال في أن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حلم جميل لكل أبناء هذه المنطقة تحقق، ولم يكن قيامه إلا تتويجاً لتلك الأحلام التاريخية الزاهية، بتجميع أجزاء الجسد الواحد. لقد كان قيام هذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، من أهم الأحداث في تاريخ الأمم، وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، درّة تاج المنطقة ومجد أبنائها، فليس بمقدور أحد، أن يزايد أو يراهن على قدرة قيادات دول المنطقة وأبنائها على صنع الوحدة، نحن أصحاب خبرة وهاجس فطري على صنع الوحدة.