يوسف المحيميد
تخطر لي أسئلة كثيرة كلما وقفت أمام لوحة في معرض، أو قرأت قصيدة أو رواية، لماذا نحب هذه اللوحة أو القصيدة أو الرواية، ولا نحب تلك؟ فمثلاً على مستوى اللوحة التشكيلية نجد أحياناً لوحات متقنة دقيقة للغاية، لكنها بلا روح، فلا تستوقفنا، وما أكثر الفنانين الذين يتقنون لوحاتهم لكنها لا تجذبنا، لأنها خُلقت ميتة وبلا روحه، كمثل مدرس اللغة العربية الذي يتقن عروض الشعر، ويكتب قصيدة عمودية موزونة مقفاة لكنها بلا روح، بلا شعر، مجرد درس لفظي ميت، فكلاهما الفنان والشاعر في هذه الحالة يفتقدان الإبداع وومضته التي لا تخفى على المتلقي، والتي يرتبط جزء منها بالتلقائية والبساطة، فلا التعقيد في القصيدة، ولا التجريد في اللوحة يصنعان الإبداع دائمًا، ولن يضيف شيئًا أن أذكر أسماء بعض الفنانين الذين يتقنون لوحاتهم، وينسون أن يبثوا أرواحهم فيها، فهم منتشرون في معظم المعارض الفنية المقامة هنا وهناك.
يبقى السؤال المهم للغاية، ما هي التلقائية في الفن، وهل هي فطرة أم صنعة؟ هل كان بول كلي، خوان ميرو، وبعض أعمال كاندينسكي وبيكاسو، وغيرهم من الفنانين العرب والسعوديين الذين ساروا على خطاهم، أو تأثروا فيهم، هم فنانون تلقائيون بالفطرة؟ أم هم صناع ماهرون جدًا إلى حد إقناعنا بتلقائيتهم، وإخفاء صنعتهم؟ إذا كانوا كذلك فهم يتجهون إلى تلقائية قصدية، وهذه تُعد مرحلة متقدمة من المهارة والخبرة الفنية التي نتمنى أن يصل إليها الفنان السعودي والعربي.
ولعل المتابع لمثل هذه التلقائية يستطيع التعرف عليها ليس في الفن التشكيلي والشعري والسردي فحسب، وإنما حتى في الفنون البصرية والأدائية، فمثلاً بعض الأفلام السينمائية والتلفزيونية تحقق هذا المطلب، بحيث يتجاهل الممثلون وجود الكاميرا ويتحركون ويتكلمون على سجيتهم، ويخرجون عن النص المكتوب، فيظهر المشهد وليد اللحظة، فالتلقائية في الفن، وعدم الافتعال فيه، حتى لو كان بإجادة عالية، هو ما يسكب فيه الروح والحياة.
كثيرًا ما أسأل نفسي هذا السؤال حينما أتأمل لوحة تشكيلية جميلة، متقنة، متناغمة الألوان والعناصر، لماذا لم تلامسني هذه اللوحة؟ ما الذي ينقصها لتفعل ذلك؟ فأكتشف أنها بلا روح، لوحة خُلقت أساسًا جثة، فالنظر إليها يشبه النظر إلى وجه فتاة في غاية الجمال، لكنها ميتة، روحها غادرتها منذ لحظات أو سنوات، هنا الفرق الواضح بين لوحة تسمع نبضها في داخلك، وبين أخرى لا تسمع منها سوى الموت والصمت الأبدي!.