خالد بن حمد المالك
يسألني بعضهم متى ستتوقف كتاباتك عن قطر، الدولة الشقيقة والجارة العزيزة، يسألونني أسئلة المحبين، الخائفين على قطر، المشفقين عليها، الباحثين عن مخرج لها من هذا المطب الكبير الذي وقعت فيه، يسألون ومخزون الألم لديهم جد كبير، إنهم ناصحون، ولا ترضيهم هذه الغمامة التي غطت منطقتنا، وحولتها إلى صورة سيئة أمام أنظار العالم.
* *
أنا معهم، أشعر بألم لما آل إليه الوضع في قطر منذ انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على أبيه، واستيلائه على الحكم، وإلى أن تنازل شكلياً لابنه عن كرسي الإمارة لأسباب لم يعلن عنها بعد، بل إن ألمي لم يتوقف خلال عهد الشيخ الشاب تميم بن حمد في إمارة الشقيقة الصغرى دولة قطر، لكن دعونا نكون أكثر صراحة، ونعبر بصدق في هذا الجو المشحون بالخوف عن موقفنا من التهور القطري كما هو ماثل أمامنا، موثقاً بالصورة والصوت والوثائق المكتوبة، فموقف الكاتب المهتم بهذا التوتر في العلاقات بين قطر والدول الخليجية الشقيقة لن يكون سلبياً أمام هذه الحقائق الدامغة، ولن يكون مهادناً بعد أن فُتحت الملفات، وظهر الوجه القبيح للمتآمرين في قطر، ما يعني أن مواجهة الكاتب وتفاعله برأيه المكتوب مع الأزمة يجب أن يكون متواصلاً إلى حين الوصول إلى حل.
* *
وإلى أن يأتي هذا الحل، وإلى أن ندخل في أجواء قبول الطرف المعتدي وهي دولة قطر بشروط المملكة ومصر والإمارات والبحرين، فإن على قطر أن تراجع حساباتها، وأن تفكر جيداً بما تسببه سياساتها من صداع لها ولأشقائها، وأن تكون على يقين بأنّ من مصلحتها أن تتعاون مع الأشقاء الجيران، بما يحمي دولنا وشعوبنا ومنطقتنا من هذا الجحيم الذي كانت الدوحة مهندسه ومشعله، مستعينة في ذلك بأشخاص ومنظمات ودول لهم أجندتهم في التآمر القذر على الوضع في دولنا، وربما أنهم وجدوا في قطر الصيد السهل لتفريغ شحنة حقدهم وكراهيتهم من خلالها، وهو ما لم تفكر - ربما - الدوحة بأبعاده الإرهابية، ولم تستوعب نواياهم، فغرقت في أتون معركة خاسرة مع شقيقاتها.
* *
نريد أن نتوقف عن الكتابة، أن نضع حدا لأي كلام عن هذا الجرح الذي ينزف، نريد أكثر أن نكتب عن قطر قصائد في هذه الجزيرة الصغيرة، نتغزل بها، نبوح بحبنا لها، ولكن كيف لنا أن نفعل هذا، وقطر هي قطر التي تتآمر علينا، وتدعم الإرهاب، وتؤوي الإرهابيين، وتماطل في الالتزام بما يطلبه منها أشقاؤها،كيف لنا أن نصمت، ونضع أقلامنا جانباً، نحيدها، وقطر تنكر أفعالها في التآمر علينا، فيما إرهابها مسجل بالصوت والصورة والتفاصيل التي تدينها، بما لا يمكن لعاقل أن يتبرأ منها.
* *
شيوخ قطر لو أرادوا لأعادوا العلاقات مع أشقائهم بأقل جهد وأسرع وقت، وبالتالي فسوف يتوقف الكلام المباح وغير المباح عنهم، والاعتراف بالخطأ وتصحيحه، والالتزام بعدم تكراره، وبالضمانات والشروط التي يطالب بها الأشقاء وقدمت لهم، وهي بنظر العقلاء مساعدة من الدول الشقيقة المتضررة لشيوخ قطر للمرور إلى حيث الأمان، دون أن يترتب عليهم ما يجعلهم في موقف المتهم الذي ينتظر الإدانة ثم العقاب بقلق وخوف على ما سببته الجرائم التي ارتكبوها أو خططوا لها كما هي في أكثر من تسجيل صوتي ووثائق مكتوبة.
* *
تعود العلاقات الطبيعية بين قطر وكل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، ويتوقف الكلام بجرة قلم، أي بتوقيع من الشيخ تميم على ما قدم له من شروط، وغالباً فالبنود الثلاثة عشر تنطلق من روح ما سبق أن تم التوقيع عليه، في العامين 2013 و2014 مع تقديم شيوخ قطر كل الضمانات الملزمة بعدم خرق الاتفاق أو نكوث الوعود، أو محاولة الالتفاف على ما يتم الاتفاق عليه، بمجرد أن يجف توقيعه على ما ينهي معاناة الدول الشقيقة من إرهاب قطر.
* *
وعلى شيوخ قطر ألا يراهنوا على الوساطات، أو أن يستقووا بالمساندة الأجنبية من تركيا وإيران وإسرائيل في دعم خلافهم مع أشقائهم، فهذه المساعدة التطوعية الأجنبية لقطر هي جزء من المؤامرة على قطر وأشقائها، ولا معنى لها، إلا كمن يصب الزيت في النار، أو كمن تكون له مصلحة في هذا الخلاف، فيدخل طرفاً لتأجيجه، وتصعيده، وإقفال كل أبواب المعالجة له، كما تفعل إيران وتركيا، إذ إن من مصلحتهما أن تكون دول الخليج في حالة غليان وخلافات دائمة، فطهران وتركيا لهما أطماع في منطقتنا، والتاريخ يتحدث عن أنهما في حالة تهيّؤ لأي تطور يمنحهما مصالح في منطقة دولنا.
* *
لا بأس أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة بين دولنا، ورؤى ليس بالضرورة أن تكون دائماً متطابقة، لكن بالحوار والتفاهم والجلوس على طاولة واحدة، يصل الجميع إلى موقف مشترك، لكن ما تفعله قطر لا يوصف هكذا، ولا يشجع على عقد اجتماع مشترك للحوار، ولا ينظر إليه على أنه تباين في وجهات النظر، وإنما ينظر إليه على أنه عبث وتمرد يرتقي إلى مستوى الإرهاب، الأمر الذي لا يمكن قبوله، أو التسليم به، أو الاستمرار في الصمت في التعامل معه، بينما آثاره المدمرة قد وصلت إلى عمق أراضينا.
* *
مرة أخرى، من هو المسؤول غير شيوخ قطر عن كل ما يكتب عن هذه الدولة الصغيرة، أليسوا هم من أشعلوا النار بالمؤامرات وإيواء الإرهابيين وتمويل الإرهاب، ودعمه إعلامياً من خلال قناة الجزيرة التي تضم في طاقمها من يصنفون كداعمين للإرهاب، وبذلك فإن التعامل مع هذه الغمة إعلامياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً يجب أن يكون بمستوى التحدي الذي يشكله الموقف القطري المشبوه من دول مجلس التعاون، وأن تكون قطع العلاقات مع قطر بداية لمسلسل من الإجراءات الصارمة ضدها إذا ما استمرت في زعزعة أمن دول المنطقة والتدخل في شؤونها الداخلية.
* *
هذا ما يمكن أن يقال لمن لديهم شيء من التفاؤل بأن دولة قطر يمكن أن تتراجع عن مواقفها في دعم الإرهاب بمجرد التوقف عن الكتابة عن قطر، ولمن يعتقدون أن عدم مصارحة قطر إعلامياً بما تمارسه من عدوان وتآمر وتحريض ضد شقيقاتها، يمكن أن يساعد على تبريد الخلافات، والأجواء، وتشجيع قطر على التراجع عن مواقفها العدوانية، والسير قطرياً مع دول مجلس التعاون على نفس السياسات التي تخدم الجميع، نقول لهم إن ما يصرح به وزيرا خارجية قطر الحالي والسابق لا يوحي بشيء من التفاؤل، ولا يشجع أي كاتب بالتوقف عن دوره ورسالته في إنكار كل ما يصيب منطقتنا من أضرار جسيمة سببها قطر.
* *
هناك أسباب للكتابة، تقتضيها نظرة الكاتب للمصلحة العامة، يحفّزه على ذلك شعوره بأنّ لديه قضية، وأنه يحمل رسالة، وأنه لسان حال من يثق به من قرائه، وبالتالي فليس من واجبه أن ينكفئ على نفسه، أو يتهرب من المسؤولية، أو أن يلوذ بالصمت، بينما تداهم دول المنطقة كل هذه الأخطار بفعل دولة قطر، فيما أن على الكاتب أن يكون حاضراً ومؤثراً وصاحب موقف يلبي التطلعات نحو غد أفضل.
* *
هذا الكلام ينطبق على كل كاتب نزيه لا على كاتب هذه السطور فقط، ويوصف به كل قلم حر شريف، ومن حق الناس أن يتعرفوا على وجهات النظر المختلفة، وبالتالي أن ينحازوا إلى من يعتقدون أنه يشخّص الحالة القطرية بإرهابها الموثق بكل أمانة وصدق، دون أن تكون للعواطف أي دور في وجهة نظر الكاتب، وبما يفترض أن يكون عليه في مشاركاته، وعندئذٍ فكما أنّ هناك أسباب للكتابة، فهناك أسباب أيضاً للتوقف عنها.
* *
وفي أزمة قطر، هناك أسباب تلح على الكاتب كي يكتب عنها، كي يلقي الضوء عليها، والهدف في ذلك أولاً وأخيراً أن يتوقف العدوان، وأن تودع الدوحة وإلى الأبد التدخل في شؤون جيرانها الداخلية، وأن تلتزم بعدم دعم وتمويل الإرهاب أو تبنيه أو إيواء من يمارسه من أرضها، وأن توقف هذه الأبواق الإعلامية التي تقوم بشحن الخلافات بين دولنا، وزرع الفتنة بين مواطنينا، وأن يمنع التواجد الأجنبي المسلح في أراضيها، وكلها أهداف سهلة ومقدور عليها، ويمكن التغلب على ما يعيق تنفيذها، إذا وجدت الرغبة الصادقة لدى شيوخ قطر بالابتعاد عن سياسة التآمر على أمن الدول الشقيقة واستقرارها واستقلالها.
* *
بهذا أكون قد خصصت مقال اليوم للحوار مع من أحسن الظن بالقول إن المشكلة مع قطر تنتهي حين يتوقف الكتّاب عن الكتابة عنها, وحين يتخلى الإعلام عن تركيزه ومتابعته لها، وحين تُترك معالجتها للسياسيين، بعيداً عن سوط الإعلام كما يقولون، وهم مع هذا الحجم الكبير من التفاؤل، أقول لهم صادقاً بأن الكتّاب والإعلام بكل وسائله، سوف يتوقفون تماماً متى ما ظهر حلٌ مقنعٌ للمشكلة، والحل لها - بنظري - حيث تمسك به أيدي من أوجدها، أعني أيدي شيوخ قطر، وذلك بكف عدوانهم، والابتعاد عما يؤذي جيرانهم، والموافقة على الشروط والمتطلبات وقد تم تقديمها لهم، والوقت يسير بسرعة، ولم يتبق ما يكفي يا قطر للتفكير أو التأمل.