د. محمد عبدالعزيز الصالح
صدرت مؤخرا الموافقة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على ما رفعته وزارة الصحة من فصل المستشفيات والمراكز الصحية عن الوزارة وتحويلها إلى شركات حكومية, وقصر دور الوزارة على الجوانب الإشرافية والرقابية ورسم السياسات ووضع الأنظمة واللوائح المنظمة للقطاع الصحي. وما من شك أن هذا التحول لا يعني بأي حال من الأحوال تخلي الدولة عن توفير الرعاية الصحية للمواطنين. ويكفي أن أشير هنا إلى ما تضمنه أحد بنود النظام الأساسي للحكم؛ إذ أشار إلى أن الدولة معنية بالصحة العامة، وأنها ملتزمة بتوفير الرعاية الصحية للمواطنين.
كما تضمنت الموافقة السامية أيضًا تبني أن تكون الصحة العامة سياسة وأولوية في جميع الأنظمة والتشريعات لمكافحة الأمراض والوقاية منها؛ ما يخفف من عبء الأمراض. وما من شك أن هذا التوجُّه المحمود الذي طرحته وزارة الصحة يتطلب التعاون من قِبل جميع الأجهزة الحكومية الأخرى؛ إذ يتوجب عليها التنسيق مع وزارة الصحة عند رسم أي سياسة أو إقرار أي نظام؛ وذلك للتأكد من خلو تلك السياسات والأنظمة من أي تأثيرات سلبية على الصحة العامة. كما يقع على عاتق هيئة الخبراء بمجلس الوزراء دور مهم من خلال التأكد من أن السياسات والأنظمة التي توصي الهيئة بعرضها على مجلس الوزراء خالية من أي تأثيرات سلبية على الصحة العامة. إضافة إلى ذلك فإنني أعتقد بأن ذلك لا يقتصر على سَن السياسات والأنظمة الجديدة فقط؛ إذ إن على جميع الأجهزة الحكومية مراجعة سياساتها وأنظمتها المطبَّقة حاليًا، والعمل على تطويرها بما يحقق حماية الصحة العامة.
وبكل تأكيد فإن توجُّه وزارة الصحة إلى التخلي عن تقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر للمواطنين، والتحول إلى تقديمها من خلال شركات حكومية، إنما تهدف الوزارة من ورائه إلى تقديم الخدمات الصحية للمواطنين وفق أساليب القطاع الخاص، وذلك برفع الإنتاجية، وتقليل الهدر، والقضاء على البيروقراطية، والتخلي عن المركزية في تقديم الخدمة, وهذا ما قد ينعكس على تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة، سواء من خلال مراكز الرعاية الأولية أو من خلال المستشفيات العامة والتخصصية. إضافة إلى ذلك فإن تقديم الخدمة الصحية للمواطنين من خلال شركات سيسهم في تقديم الخدمة للمواطنين كافة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة.
بقي أن أشير إلى أن هذا التوجه الإيجابي لوزارة الصحة بتقديم الخدمات الصحية من خلال شركات حكومية إنما يعتبر أحد مكتسبات رؤية المملكة 2030؛ إذ تتطابق الأهداف الاستراتيجية التي تسعى الوزارة لتحقيقها من خلال هذا التحول مع الأهداف التي تضمنتها رؤية المملكة 2030.
ولكي تنجح وزارة الصحة في هذا التحول الاستراتيجي في تقديم الخدمات الصحية فإن ذلك يتطلب توافر البنية التحتية السليمة، سواء لمراكز الرعاية الأولية أو للمستشفيات. وفي ظني إن مراكز الرعاية الأولية المنتشرة حاليًا في مختلف المناطق والمحافظات متواضعة، ولا تفي إطلاقًا بتحقيق الأهداف المنشودة التي ترمي وزارة الصحة لتحقيقها من هذا التحول. وأقترح أن يتم تبني التجربة البريطانية في هذا الخصوص نظرًا لما تتميز به مراكز الرعاية الأولية المنتشرة في المدن البريطانية.
ختامًا, كلمة شكر وتقدير لمعالي الدكتور توفيق الربيعة والفريق الذي يعمل تحت قيادته على هذا التوجه المحمود لقطاعنا الصحي, الذي سيفرغ الوزارة لرسم سياسة القطاع الصحي وتنظيمه ومراقبته. وما من شك أن هذا الفكر النيّر لمعالي الدكتور توفيق إنما يتوافق مع السياسة العليا للدولة التي نصت عليها رؤية 2030. كما أن هذا الفكر لمعاليه إنما هو استمرار لإبداعات معاليه التي أحدثها في وزارة التجارة عندما كان معاليه وزيرًا لها.