أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن من منن الله جل وعلا، وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، مناسبة لا كالمناسبات، ويوم تاريخي لجامعة عريقة، تشرفت بحمل اسم المؤسس الأول، وكان تمام التشريف، وكمال الفخر أن كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله وأعزه - هو من رسم لها مستقبلها، وحدد لها مسارها، واختار لها موقعها المتميز، الذي كان في حينها فضاءً بعيدًا، ومكانًا وعرًا، ولكنه بنظره الثاقب، ورؤيته البعيدة، واستشرافه لعاصمة العز يدرك أنه سيكون موقعًا فريدًا، ومكانًا متميزًا، بل هو البوابة العلمية للرياض، وها هي الجامعة العريقة التي أصبحت متواجدة في كل الدول، ويتردد اسمها في كل المحافل، وكانت ولا تزال مطمحًا ومطمعًا لكل متميز، وتوافر لها في هذا الوقت من مقومات التطور والريادة والمثالية ما جعلها - ولله الحمد - في مصاف الجامعات العالمية، وقدمت ولا تزال خبرات نوعية، وتوسعت في تخصصاتها، وأصبحت إحدى الجامعات التي تقدم للوطن وللعالم أجمع خبراتها في التخصصات المختلفة النظرية والتطبيقية، تتوج مسيرة العطاء بشهادة مستحقة، وتقدير واجب لرجل العطاء والوفاء، وأنموذج العظماء، قائد مسيرتنا، وحامي وحدتنا بعد الله، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - حيث تشرفت الجامعة في يوم الأربعاء، 18-10-1438هـ ممثلة بمديرها ووكلائها بتسليم خادم الحرمين الشريفين هذه الشهادة المستحقة، بعد التشرف سابقاً بموافقة المقام الكريم عليها، في مجال القرآن الكريم وعلومه، وذلك بناء على ما اقترحه مجلس الجامعة الموقر، ورفعه إلى مقامه - أيده الله.
وإن هذا الحدث الكبير، والمناسبة العظيمة تشكل يوماً تاريخيًا للجامعة، يشعر فيها مسؤولو الجامعة ومنسوبوها أعضاء هيئة التدريس وطلابًا وطالبات، وكل عضو فيها بل كل منتسب للتعليم بصفة عامة بالفخار والعز والسؤدد، ونرى في هذا اللقاء التاريخي نعمة من أجل النعم، وأداءً لبعض ما وجب علينا، وتعبيرًا عن مشاعر التقدير والاعتزاز والافتخار بمنجزات مليكنا - أيده الله - في كل مجال، وفي مجال خدمة القرآن الكريم خصوصًا، وتكريم الجامعة من مقامه - أيده الله - بتخصيص وقت لمدير الجامعة وأعضاء مجلسها ليتشرفوا بلقائه - أيده الله - والاستماع إلى توجيهاته، وتتويج هذه المناسبة بتسلمها من الجامعة، ما من شك أن كل ذلك مصدر افتخار واعتزاز، وسعادة وفرح، يعجز اللسان عن وصفه والتعبير عنه، وتمثل دعماً وتأييدًا ومباركةً من مقامه الكريم لكل منتسب إلى التعليم بعامة، وإلى هذه الجامعة المباركة بشكل خاص، كما أن هذه الشهادة تقدير مستحق، ومنح واجب، وإبرار للشخصية، وإظهار لمنهج هذه البلاد، وثوابتها وما قامت عليه مما يعد سببًا في دوام النعم التي نعيشها واتصالها، فالكل يعلم أن هذه دولة الكتاب والسنة، والعناية بأصل الأصول، وأساس الأمن توحيد الله جل وعلا، عنيت بذلك، وتوالى على هذه العناية ولاة أمرها الأوفياء، حتى عهد ملك الحزم والعزم والوفاء والعطاء، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله وأعزه -، فالتقدير يحمل دلالات رمزية مهمة، وإشارات وتجليات لابد من الوقوف عليها، ولهذا فإننا نرى في هذا الحدث التاريخي ما يثير في النفوس كل مشاعر الحب والولاء والعرفان والامتنان، والتقدير والتوقير لمقام والدنا ومليكنا، وإمامنا المبجل، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله -، بل إن الكلمات لتتناثر والجمل تتطاير، والبيان يقف عاجزاً عن التعبير عن مكنون الفؤاد بالفرح بهذه المناسبة، وآثارها ودلالاتها ستظل بصمة مميزة في تاريخ هذه الجامعة العريقة، ولهذا فإن من استثمار هذا المنح المستحق أن أرصد هنا مشاعري تجاه هذا الحدث وأهم دلالاته ومضامينه، لأن هذا هو المقصود وهو الهدف، وهو الدرس الذي يجب أن يبرز، وإنني كمسؤول عن هذه الجامعة، وأتحدث هنا نيابة عن كافة زملائي وإخواني وأبنائي منسوبي هذه الجامعة الذين توالت رسائلهم عليَّ بالتهنئة والتبريك، وحملوني من خلالها إبرار هذه الدلالات المهمة لهذا الحدث الكبير،قول - وأسأل الله السداد فيما أقول -: إن مدلولات هذا القبول بهذه الدرجة الفخرية من مقامه - أيده الله - لا يمكن أن توصف عبر كلمات، وتستحق أن تكون مشروعاً بحثياً بل مشاريع لإبرار معالم تلكم السياسة الحكيمة، والسمات الشخصية التي جعلت من ملكنا المفدى - حفظه الله - أبرز شخصية مؤثرة في المشهد الدولي، كما أن لها دلالة في تخصيص هذه الجامعة وتشريفها بذلك، فمن أبرز تلكم الدلالات والمضامين:
1- عظم مجال التشريف والمنح، فالمنح في مجال هو أصل سعادة البشرية، وعزّها، ونصرها، وتمكينها، وسعادة كل مسلم، في مجال خدمة أشرف كتاب، وأعظم معجزة، كتاب عظَّمه الله وشرَّفه، وعظَّم أهله وميَّزهم، وخصَّ من اعتنى به وخدمه بالشرف، فالبركة التي وصف الله بها كتابه الكريم في قوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} تشمل كل ما يحصل بسبب هذا الكتاب علمًا وتعلمًا وتدبرًا وحفظًا وتلاوةً وعملاً وخدمةً وعنايةً، يقول الطاهر ابن عاشور - رحمه الله -: «المبارك: المُنبَثّة فيه البركة وهي الخير الكثير، وكل آيات القرآن مبارك فيها لأنها: إمّا مرشدة إلى خير، وَإمّا صارفة عن شرّ وفساد، وذلك سبب الخير في العاجل والآجل، ولا بركة أعظم من ذلك»، فالقرآن الكريم هو كلام الله المنزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزته الخالدة، في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم».
وقد قال الله عز وجل ممتدحًا هذا الكتاب القويم، فقال: {آلم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، وقال عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}، وبيَّنَ لنا الله أن القرآن هو أحسن الحديث فقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وبما أن القرآن هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة والباقية والخاتمة، فهو محفوظ بوعد من الله بحفظه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المعتنين بالقرآن الكريم بأنهم خير الناس، عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القرآن وَعَلَّمَهُ».
وحينما تقرأ دلالات المنح في هذا المجال على المستوى الشخصي فنحن أمام ملك عادل، سليل المجد، ووريث العز، أورثه والده المؤسس أصول العقيدة، ومعالم الديانة، وعلى رأسها الكتاب العزيز، فقد حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات، وأقيم احتفال كبير بمدرسة الأمراء، حيث أقيم الاحتفال في صباح يوم الأحد 12 شعبان من عام 1364هـ (صحيفة أم القرى، يوم الجمعة الصادر في 24 شعبان 1364هـ، نقلاً عن صحيفة الرياض)، وعلى مستوى المنجزات فإن سجل إمامنا الموفق، وقائدنا المبارك، ودولتنا المعطاء في خدمة كتاب الله عز وجل رصيد من المنجزات والحسنات التي نحتسبها في موازين حسناته، ويمكن ذكر أبرزها:
1- العناية بالقرآن العظيم طباعةً ونشرًا، فها هو أكبر مجمع لطباعة المصحف الشريف يشع نوره، ويتلألأ سراجه من المدينة النبوية، ألا وهو: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة الذي يقوم على تلبية حاجة المسلمين من المقروء والمسموع والمترجم والمفسر بطريقة متميزة، وبمستوى عالٍِ لا نظير له في العالم، بل صارت الطبعة مقصدًا للمسلمين في كل أنحاء العالم، والأعجب من ذلك ترجمة القرآن العظيم باللغات الحيّة التي تغطي العالم كله، فلو لم يكن إلا هذا المنجز لكفى.
2- ما قامت به الدولة السنّية السّنية المباركة من إنشاء المدارس المتخصصة في تحفيظ كتاب الله تعالى، والعناية به تلاوة وتجويدًا؛ وتعلمًا وتعليمًا، فلا تجد مدينة من مدن بلادنا الحبيبة إلا وقد زهت بتلك المدارس.
3- كما أن الجمعيات التي تجمع الطلاب والطالبات لحفظ القرآن الكريم وتدبره مثال واضح، والدولة على رأس الداعمين لتلك الجمعيات، وكما هو معروف عن ملكنا - حفظه الله - أنه استمر في الرئاسة الفخرية للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم قرابة الخمسين عامًا، واستمر بعد ذلك نجله الوفي، ولي العهد الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان، خلفه بعد ذلك الأمير المسدد، صاحب السمو الملكي الأمير/ فيصل بن بندر بن عبدالعزيز - حفظه الله -، أمير منطقة الرياض.
4- مسابقة خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبدالعزيز الدولية والمحلية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره للبنين والبنات، وهي مسابقة عظيمة النفع، غزيرة الفائدة، امتدت لسنوات طوال، وانتفع بأثرها القاصي والداني، وذاع صيتها بين أبناء المسلمين في أنحاء المعمورة.
5- مسابقة الملك/ عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، وهي مثال للعناية بكتاب الله تعالى والقيام بحقه علماً وعملاً؛ وإن كل ذلك وغيره من أمور الخير مما يقوم به ولاة أمرنا - حفظهم الله - لهو من دوافع النصر والتمكين، وعوامل الفخر والعزة لهم - بإذن الله تعالى؛ بل وسبب ظاهر ومباشر لما نتمتع به من نعم عظيمة وآلاء جسيمة.
6- المسابقات العالمية والمحلية العامة والخاصة التي يدعمها ولاة الأمر - أيدهم الله -، مثل مسابقة الأمير/ سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - لحفظ القرآن الكريم، ومسابقة الأمير/ نايف بن عبد العزيز لحفظ القرآن الكريم للقطاعات الأمنية، وكلها دلالات خير، ومجالات نفع للإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم.
7- الكراسي البحثية للعناية بالقرآن الكريم، ومنها الكرسي الذي تحتضنه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو كرسي الملك عبد الله للقرآن الكريم، وغيرها من الكراسي البحثية التي تعنى بالقرآن الكريم وعلومه في جامعات مملكتنا الحبيبة.
8- إنشاء الكليات والأقسام المتخصصة في تعلم القرآن وعلومه، وغير ذلك مما له صلة بهذا الشأن.
9- الحوافز والجوائز المشجعة التي يدعمها، ومن أبرزها: جائزة الملك سلمان الدولية لحفظ القرآن، والتي رُصد لها الحوافز والجوائز الكبيرة لهذا الغرض.
ولهذا وغيره كان هذا المنح الذي هو إشادة بهذه المنجزات العظمى، وتذكير للأجيال بما يبذله ولاة الأمر - أيدهم الله -، وتأكيد على عناية دولتنا بالقرآن وأهله، وهذا التكريم إنما هو جزء قليل من إظهار جهود ولاة أمرنا الأوفياء، وقادتنا الميامين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله.
- ومن دلالتها: التأكيد على ثوابت هذه الدولة العظيمة، وما قامت عليه من أصول أعظمها كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد استمدت هذه البلاد المباركة، والوطن الآمن، المملكة العربية السعودية، جميع أحكامها ونظمها من كتاب الله تعالى؛ حيث انطلقت منه في معاملاتها وتصرفاتها وعلاقاتها العامة والخاصة، الظاهرة والباطنة، بصورة منقطعة النظير في هذا الزمن، وذلك منذ وقت الملك المؤسس المجاهد الصالح العادل المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله تعالى، وحتى يومنا هذا تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، مع صفاء في العقيدة، وسلامة في المنهج، وسمو في الأهداف، ونبل في الغايات. وينص النظام الأساسي للحكم على هذه الميزة في أكثر من مادة، ففي مادته الأولى ينص على أن: «المملكة العربية السعودية، دولة إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض»، وفي مادته السابعة ينص على أن الحكم: «يستمد في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة». فعندما نتأمل وندقق فيما يتعلق برعاية هذه الدولة السُنية السَنية السلفية بالقرآن الكريم حكمًا وتحكيمًا، وتعلمًا وتعليمًا، وعناية ورعاية، وما تضمنه من منهاج كامل للحياة، شمل ما يحتاج إليه البشر من الأحكام والحدود كتعاملات، وتطبيقات في كل الأحوال والتحولات لرأينا ذلك واقعاً ملموساً منذ أسست هذه الدولة في دورها الأول ثم الثاني، ثم توحيدها على عقيدة التوحيد الغضة الطرية المستمدة من الوحيين، وذلك عندما قام ذلك الرجل المبارك والملك الصالح العادل الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن بلمِّ شمل شعبها، وتوحيد صفها، والعمل على جعلها أمة واحدة مؤتلفة متماسكة قوية عزيزة، مهيبة الجانب، وما ذاك إلا لأنه أدرك أهمية تفعيل مبادئ الإسلام وأصوله وقواعده وثوابته التي تستمد من القرآن الكريم، وهي سبب للفوز والنصر والتمكين، والأمن والأمان والسؤدد، وكل فضل وتعاون على حد قوله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَأَقْوَمُ}، وقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}، إلى غير ذلك مما جاء من الآيات المحكمات في بيان منزلة وفضل كتاب الله عز وجل، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القرآن وَعَلَّمَهُ).
ثم سار بها أبناؤه البررة الميامين على نهجه ودربه وطريقه، مما يخدم أهل هذه البلاد، حتى تقلد زمام الأمور ملكنا المفدى، ملك الحزم والعزم، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، مما جعل الفروع تتقوى بالأصول، وحاضرنا المجيد يتعلق بماضينا المكين، بصورة منقطعة النظير، وبمنهج قويم، وصراط مستقيم، لا يخرج في المقال ولا الأفعال عمّا أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نرى أن بلادنا في هذا العهد الزاهر تنمو وتزدهر، وتتطور بشكل ملموس، وبطريقة يتعجب الجميع منها، وفق رؤية حكيمة وخطط علمية ترفع كفاءة الأداء في رؤية تتعامل مع الحاضر وتستشرف المستقبل من أجل التوجه نحو تنوع مصادر الدخل، ورفع مستوى الإسهام، والمشاركة في البناء من الجميع، وبما يستوعب التحولات المختلفة إقليميًا ودوليًا وتوقعات المستقبل وخططه بصورة تدريجية واقعية في أولويات مرتبة، تنعكس - بإذن الله تعالى - لمواطن هذه البلاد رفاهيةً وازدهاراً، في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، والإسكان والموصلات، بل حتى في المجالات السياسية، يشهد له بذلك المنصفون والعاذلون، مما جعله - حفظه الله - يبذل الجهود العظيمة، والمقدرات الهائلة، ويسخر كل وقته وشؤونه من أجل رفعة هذه البلاد، ونمائها، وعودتها إلى منابعها الصافية، الأمر الذي معه نتجت أمور متنوعة ومتعددة، كلها محل الثناء والتقدير والإعجاب من أبناء الأمة الإسلامية، بل والعالم أجمع.
- ومن دلالاتها: تعريف الناس جميعًا بأهمية هذا القرآن، والعودة إليه في ظل الفتن والمشكلات والتحولات، فكما أنه الأساس الذي قامت عليه دولتنا وولاة أمرنا، فهو الأصل الذي نرجع إليه، ونعتصم به من الزلل، ونستمسك بهدايته أخذًا بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنتُمْ أعداء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخوانا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}[آل عمران:103]، والمقصود بحبل الله عز وجل هنا قيل: كتاب الله والقرآن، وقيل: الجماعة، وروي هذا المعنى عن أنس بن مالك وابن مسعود، حيث قال رضي الله عنه: «عليكم جميعًا بالجماعة والطاعة، فإنها حبل الله الذي أمر به»، قال الإمام القرطبي - رحمه الله - لما ساق أقوال القائلين بأن المراد بالجماعة: كتاب الله، وقول من قال: إن المراد بحبل الله: الجماعة، قال: «وكلها معانٍ متقاربة متداخلة، فإن الله تعالى يأمر بالألفة، وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة مهلكة، والجماعة نجاة»، وقال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -: «وقد فسر حبله: بكتابه، وبدينه، وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره، وبعهده، وبطاعته، وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وكلها صحيحة، فإن القرآن يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله»، ويتأكد الاعتصام بكتاب الله عز وجل خصوصاً في ظل الفتن، فإن الإنسان إنما يؤتى بسبب جهله وقصور علمه فيضل، أو أن يؤتى بسبب غلبة الهوى على قلبه فيضل بسبب ذلك.
- ومن دلالاتها: أن هذا الالتزام بالقرآن وهديه كما هو سبب النعم التي نعيشها فهو أساس القوة التي اكتسبتها دولتنا، والثقل الذي منحها الله إياه، حتى غدت متفردة في حكمها ومنهجها، وأصبحت قوة لا يستهان بها، وواجهت المهددات والمخاطر، وأعظم ذلك الإرهاب الذي ومن أسف يتشبث منظروه، وجماعاته وتياراته بالنصوص تلبيسًا وتشبيهًا، فكان لهذه الدولة المباركة وولاة أمرها الجهد الواضح في تقديم هذا الدين بوسطيته ونقائه وعدله ورحمته، ودفع ما ألحق به زورًا وبهتانًا وما نسب إليه من شبه وأباطيل.
- أما دلالة هذا المنح وهذا الاستحقاق فيما يخص الجامعة فما من شك أنها واضحة على مكانة الجامعة ومنزلتها لدى مقامه، وما تؤديه من أدوار ومسؤوليات، وما توافرت عليه من خبرات وتخصصات، خصوصاً في التخصصات الشرعية التي تعد فيها الجامعة أم الجامعات وأهمها، ولهذا المنح دلالته في عنايته -حفظه الله- بالجامعة، ودعمه لما تسير عليه وتخطوه من خطوات في التطوير وتقوية الأسس، وخدمة الوطن والعام، وما حققته من خطوات مهمة في مواجهة الإرهاب والجماعات والأحزاب المتطرفة، وما تبثه وتقوم به من برامج متنوعة تعزز مبادئ الوسطية والاعتدال والسماحة واليسر ورفع الحرج؛ لأن كل ذلك ينبع من العناية بالقرآن والسنة.
ولهذا وغيره مما ذكرته الجامعة من الأسباب والمعطيات، فإن الجامعة تتشرف وتعتز بهذا المنح المستحق، وهذا اللقاء التاريخي الذي نرى آثاره واضحة، ومؤثراته جلية على الجميع دون استثناء، ولذلك يطيب لنا في هذه المناسبة أن نقول: إن هذا زيادة في تحمل المسؤولية، وأداء الأمانة، فما منحنا ولي أمرنا - أيده الله - ذلك الشرف إلا لمعرفته -حفظه الله- بالجهود والبرامج والفعاليات المتميزة التي تقوم بها الجامعة والمنتسبين إليها، مما يرسخ مفاهيم الانتماء، ويوجه إلى أن يكون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو القائد والرائد في جميع ما يخرج منها من أعمال، وكل ما يخدم الوطن ويحقق تطلعات ولاة الأمر، وهذا يحتاج إلى مزيد من العمل الجاد والمثابر الذي يدفعنا إلى الأمام، ويجعلنا دائماً في مواطن الريادة، وبما يحقق تطلعات ولاة الأمر، والكل يعلم مكانة هذه الجامعة، فهي مؤسسة رائدة تعنى بعلوم السيادة والريادة المستمدة من كتاب الله سنة رسوله وما يسندها من علوم، ذلك الأمر الذي تتوافر معه جميع العلوم، وتكون الجامعة أنموذجاً حياً متميزاً في كل ما يكون له أثر إيجابي على طلابها وطالباتها، وكذلك وفق ما يسعى إليه ولاة أمرنا من جميع فئات هذا الوطن.
وختامًا: فالحمد لله الذي وفق ولي أمرنا إلى مثل هذه المساهمات المؤثرة التي شرفت هذه الدرجة العلمية العالمية العالية به، ونتشرف بتهنئة مقامه الكريم بها، ونسأل الله سبحانه أن يجعلها زاده إلى رضوانه وجناته، وأن يسدد قوله وفعله، ويجعله من أنصار دينه وأعوانه، كما نسأله سبحانه أن يحفظه بحفظه، ويكلأه برعايته، ويمده بعونه، ويديم عليه نعمه إنه سميع مجيب، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.