د. حسن بن فهد الهويمل
المُخَدَّر بالطفح الإعلامي المأجور، وغير المسؤول لضعف المناعة، والغفلة المعتقة، وقلة النباهة، تترسخ في ذهنه مسلَّمتان:-
- تعميم التخوين لكل من قال، أو فعل. بمعنى أنه لا أحد عنده فوق الخيانة.
- تعدد الانتماء، وتبدله في ظل التلبس بالخيانة، بوصفها القاسم المشترك.
قد يقول قائل: إذاً لا أنتمي على سنن اعتزال الفتن :- (وأن تَعَضَ عَلَى جِذعِ شَجَرةٍ حَتَّى يَأتِيكَ المَوْتُ)
والجواب المحرج: كل معتزلٍ متصف بـ(اللاَّمُنْتَمِي) يوصف بالانتماء السلبي.
والحتمُ أنه لا أحد خارج (الانتماء)، حتى عدم الانتماء، يُعَدُّ انتماء للعدم. والعدم وجهٌ آخر للوجود.
والإنسان حين لا يَفْهَمُ ذاته في ظل هذه التناقضات، يصبح بائساً متقاعساً، أو حالماً مجنونا. وهنا لابد من تذكر الذات، قبل ما سواها، تفادياً للعقاب الأليم غير المستحضر :- (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ).
ونسيان الذات، بوصفها عقاباً أنكى، لا يتوقاه إلا العالمون.
والإنسان النَّسَّاءُ لذاته، ومقترفاته على ضوء خَدر الطفح الإعلامي، يهرف بما لا يعرف، ويجلد ذاته، على سنن: (كالثور يضرب لمَّا عافت البقر).
قد يتصورني البعض متقمصاً لفلسفة الوجودي البائس (جان بول سارتر). ومعاذ الله أن أكونه.
أنا أتحدث عن المنهزمين من الداخل، المخدرين بمعسول الكلام الكاذب، الحاملين للمفتريات على ظهورهم (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا).
عالمنا العربي المهيض الجناح يعيش تحت وابل الضجيج الهستيري، ويتشكل وعيه المزيف من ذلك الصخب الفارغ، والطفح النتن.
وفي ظل الحرب الإعلامية، الشرسة جُنِّدت آلاف المواقع، واشتريت آلاف الضمائر للوقيعة بـ(المملكة)، ورجالاتها، وسياستها. وتفكيك لحمتها الفكرية.
والمواطن السعودي هو المستهدف بهذه الراجمات البلاغية. والسمَّاعون لهذا الهراء من بني جلدتنا، المتأثرون به، واقعون تحت طائلة الخيار الأصعب، ولا سيما الناقلين للغثاء، كما الناقل (للفيروسات).
أما العقلاء العالمون، المجربون، المدركون للمتشابه من القول، فخيارهم واضح المعالم، سهل الاختيار، انسيابي الحركة.
وأمام خلط الأوراق، فإن من الحزم، والعزم ألَّا نركن إلى الثقة بالنفس، وألا نمارس التواكل، وغفلة المؤمن.
الإعلام المجند باحترافية، وجلد وضخ متواصل، له تأثيره السيء، اعترفنا، أم لم نعترف. إنه يشل التفكير، ويلوث الأدمغة، ويشكك باليقين.
ونحن واقعون شئنا، أم أبينا تحت طائلة (الفوضى الإعلامية)، و(إعلام الفوضى).
أما عن (فوضى الإعلام) فكل قادر على فك الحرف، يَعُدُّ نفسه أمةً وحدها. له مواقعه، ومجالسه، ومريدوه، المُسَلِّمون لما يقول.
تراه بكل استرخاء، يتكئ على أريكته، ويتحدث عن أعقد المسائل، وأخطر الموضوعات. دون أن تُحَرِّك شعرةً في مَفْرِقِهِ.
والتقنية المذهلة، تُوَطِّئ له الأكناف، وتصل بصوته إلى حيث يريد. وقد يكون المتحدث قادراً، جلداً، مأجوراً. يشري نفسه ابتغاء الثمن البخس، فيزين القبيح، ويُقَبِّح الحسن، ويقعد للناس كل مرصد.
وهذا ما نراه، ونسمعه، ونكتوي به من مَرَدَةِ الإعلام، وسَفَلَةِ القوم، المتفرغين للوقيعة، وقبض الثمن.
ومتى انكشف زيف أحدهم، وضاقت به أرضُه، فَرَّ بنفسه إلى (أوربا) أو (أمريكا). وهناك أخذ حريته، وتفسخه الفكري، وأصبح بإمكانه أن يبيع أرضه، وعرضه، وقضيته.
ولست بحاجة إلى ضرب الأمثال، فالمصابون مثلي بشهوة المتابعة يعرفون كُلاًّ بسيماهم.
وأما (إعلام الفوضى) فما نعيشه بعد (الربيع العربي) فوضى هدامة، أخافت الآمنين. وهتكت الأعراض. وقتلت الأنفس. وأهلكت الحرث، والنسل. وهدمت البيوت على ساكنيها.
ومن رابه الأمر، فلينظر إلى مواطئ قدم (التنظيمات الإيرانية) من (حشود) و(أحزاب) تسرح، وتمرح في (العراق) و(الشام) و(اليمن)و(لبنان) لِتُفْسِدَ دينها، وتُخِلَّ بأمنها، وتصدع وحدتها.
مالا نريدهُ مراوحة الفكر السياسي بين (الوعي المفقود) و(عودة الوعي) كما هو عند (توفيق الحكيم). يتبع